وَبَين الشَّافِعِي السَّبَب فِيمَا تفارق فِيهِ الشَّهَادَة الرِّوَايَة من الْأَحْكَام، وترتبه على مَا افْتَرَقت بِهِ حقيقتاهما من الْمَعْنى، وَذكر بعض الْأَحْكَام قِيَاسا على الْبَعْض ردا على خَصمه الَّذِي قد سلم الْمَعْنى وَفرق فِي الْأَحْكَام بِمَا لَا يُنَاسب.

فَإِن قلت: فَأَيْنَ اعْتِبَار إِمْكَان الترافع فِي الشَّهَادَة دون الرِّوَايَة فِي كَلَام الشَّافِعِي؟

قلت: من قَوْله: (وَإِنَّمَا يلْزم الْمَشْهُود عَلَيْهِ) فَإِن اللُّزُوم يَسْتَدْعِي مخاصمة وترافعاً.

فَإِن قيل: لَيْسَ فِيمَا نقلت عَن الشَّافِعِي وَلَا فِيمَا نَقله الْقَرَافِيّ عَن الْمَازرِيّ ذكر مَا يعْتَبر فِي الشَّهَادَة من لفظ: أشهد.

وَكَونه عِنْد الْحَاكِم أَو الْمُحكم أَو سيد العَبْد أَو الْأمة حَيْثُ سمع عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَة لإِقَامَة الْحُدُود إِن جَوَّزنَا لَهُ ذَلِك، وَلَا مَا أشبه ذَلِك مِمَّا يخْتَص بِالشَّهَادَةِ.

قلت: إِنَّمَا لم يذكر لكَونهَا أحكاماً وشروطاً خَارِجا عَن الْحَقِيقَة وعَلى كل حَال فقد علم مِمَّا سبق وَجه الْمُنَاسبَة فِيمَا اخْتصّت بِهِ الشَّهَادَة عَن رِوَايَات الْأَخْبَار.

بخلاف شهادة الزور فاحتيج إلى الاستظهار في الشهادات وأيضا فقد ينفرد الحديث النبوي بشاهد واحد في المحاكمات ولهذا يظهر فيما سبق في تزكية الواحد في الرواية أنه لكونه أحوط

قَالَ ابْن عبد السَّلَام: لِأَن الْغَالِب من الْمُسلمين مهابة الْكَذِب على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخِلَاف شَهَادَة الزُّور فاحتيج إِلَى الِاسْتِظْهَار فِي الشَّهَادَات، وَأَيْضًا فقد ينْفَرد الحَدِيث النَّبَوِيّ بِشَاهِد وَاحِد فِي المحاكمات؛ وَلِهَذَا يظْهر فِيمَا سبق فِي تَزْكِيَة الْوَاحِد فِي الرِّوَايَة أَنه لكَونه أحوط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015