ثم عقد التتار معاهدات مع بعض أمراء المسلمين لضرب بلاد المسمين، ولم يعقد منكو خان هذه المعاهدات بنفسه، فقد استهان جداً بهؤلاء الأمراء، ووكل هولاكو بعقد هذه المعاهدات مع هؤلاء الملوك والزعماء، وكان كل منهم يحمل لقباً أكبر من حجمه مليون مرة، فمنهم من يلقب بالمعظم، ومنهم من يلقب بالأشرف، ومنهم من يلقب بالعزيز، ومنهم من يلقب بالسعيد، فكل منهم يحمل لقباً.
فجاء أمراء المسلمين الضعفاء يسارعون في التتار الأقوياء، {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:52]، فجاء إلى هولاكو بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل ليتحالف معه، وأصبحت منطقة الشمال العراقي التي يعيش فيها الأكراد متحالفة مع التتار؛ لدخول بغداد من الشمال، وجاء سلطان السلاجقة كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع ليتحالفا مع هولاكو، وقد كان سلطانهما في تركيا في شمال العراق، فهو مكان في منتهى الحساسية، فهم سيفتحون المجال الأرضي التركي لدخول القوات التترية من شمال العراق إلى بغداد.
وجاء الناصر يوسف أمير حلب ودمشق، حفيد الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولكن لم يكن يشبهه في أخلاقه ولا في روحه ولا في فروسيته ولا من أي شيء، فقد كان مهيناً إلى درجة أن أرسل ابنه العزيز ليقود فرقة إسلامية تنضم إلى جيش التتار لغزو العراق.
وكذلك جاء الأشرف الأيوبي أمير حمص ليقدم ولاءه لزعيم التتار الجديد، وكانت هذه التحالفات بالإضافة إلى مهانتها وحقارتها في منتهى الخطورة، فقد زادت جداً من قوة التتار حتى أنهم حاصروا العراق من كل مكان، من الناحية الشمالية والغربية والشرقية، هذا بالإضافة إلى أن هذه التحالفات أدت إلى هبوط معنويات الأمة الإسلامية بشكل مريع، فلما شاهد المسلمون أمراءهم على هذه الصورة المخزية ضعفت هممهم وفترت عزائمهم وانعدمت ثقتهم تماماً في قوادهم، ومن ثم لم يعد لهم طاقة للوقوف في وجه التتار، فكانت هذه الاتفاقيات جريمة بكل المقاييس: ثم وصل التتار إلى شخصية خطيرة جداً في البلاط العباسي نفسه، فوصلوا إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية، والشخصية الثانية في الدولة بعد المستعصم بالله، وهو الوزير مؤيد الدين العلقمي الشيعي، ولا يغرك اسمه، فقد كان رجلاً فاسداً خبيثاً جداً، وكان رافضياً، يرفض خلافتي الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان شديد التشيع كارهاً للسنة وأهلها، ومن العجب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق في دولة سنية تحمل اسم الخلافة وهو على هذه الصفة، ولا شك أن هذا كان قلة رأي وضحالة فكر وسوء تخطيط من الخليفة المستعصم بالله، الذي ترك هذا الوزير المفسد في هذا المكان الخطير.
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما استخلف الله خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله).
وأسوأ من ذلك أن هذا الوزير المفسد لم يتول الوزارة شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين، وإنما بقي فيها 14 سنة كاملة من سنة 642 هجرية إلى سنة 656 هجرية عندما سقطت بغداد، فقد تولى المستعصم بالله خلافة المسلمين سنة 640هـ، وبعد سنتين جاء بهذا الوزير المفسد إلى مركز كبير وزراء الخلافة العباسية.
فاتصل هولاكو بـ مؤيد الدين العلقمي الشيعي، واستغل فساده وتشيعه واتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالآراء الفاسدة الاقتراحات المضللة على قدر ما يستطيع، في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة، فقام الوزير الفاسد بدوره على أكمل وجه، كما سنرى.
هذه هي الجهود الدبلوماسية التي قام بها منكو خان وهولاكو، ومن خلالها يتبين أنهما بذلا جهداً كبيراً وضخماً للإعداد لهذه الحملة الرهيبة، وقد أخذت هذه الجهود منهما 5 سنوات كاملة، فقد تعاونا تعاوناً قوياً مهماً مع ملوك أرمينيا والكرج وأنطاكية النصارى، وحيداً إلى حد كبير أمراء الإمارات الصليبية في الشام، وأقاما تحالفات سرية مع نصارى الشام والعراق، وتحالفا مع بعض أمراء المسلمين، ومع الوزير الفاسد مؤيد الدين العلقمي الشيعي.
ويجدر القول هنا أن المسلمين بصفة عامة كانوا يراقبون الموقف عن بعد وكأنه لا يعنيهم، أو أنهم كانوا يشعرون بإحباط قاتل يمنع أي متحمس من القيام أو الحرك