من المواقف التي مرت، ومن الروايات السابقة والتحليلات والدراسة تتبين لنا أمراض هامة، كانت سبباً في هذه المأساة التي مر بها المسلمون في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا، وقد ذكرناها مفصلة في الدرس، ونعيد ذكرها على سبيل التلخيص والإيجاز، وهي خمسة أمراض: أولاً: تمكن الدنيا من قلوب المسلمين، وإذا أُشرب القلب حب الدنيا خرج منه حب الآخرة والشرع والمثل والأخلاق، وحب كل فضيلة.
ثانياً: التشاحن والتصارع والبغضاء التي تفشت بين المسلمين، ووصلت إلى الصراع بين ذوي الأرحام والأشقاء.
ثالثاً: ترك الجهاد، وعدم الاستعداد له، وعدم تربية الناس على الروح القتالية، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا.
رابعاً: عدم الاستعداد المادي للقتال، وعدم الرؤية الواضحة، والخطة السياسية، والرأي الحكيم، وعدم التدرب على القتال وإعداد السلاح له، فلم يكن يوجد أي نوع من الإعداد في الأمة الإسلامية في ذلك الوقت.
خامساً: القبلية، والاعتداد بالعنصر والعرق، وعدم اعتراف المسلمين بإخوانهم المسلمين المنتمين إلى أعراق مختلفة.
والمرض الواحد من هذه الأمراض الخمسة يهلك أمة، فكيف لو اجتمعت هذه الأمراض وغيرها في الأمة الإسلامية في ذلك الوقت؟ هذا كله يفسر ما حدث من اجتياح تتري رهيب للأمة الإسلامية.
ثبّت شورماجان قدمه في المنطقة خمس سنوات، إلى سنة (634هـ)، ثم في هذه السنة عاد الجيش التتري إلى اجتياح العالم من جديد، ولقد اختلف هذا الاجتياح اختلافات كثيرة عما سبق، ليس في طريقة القتال أو أسلوب الحرب، فدموية التتار لم تتغير أبداً، ولكن في المناطق المفتوحة، فقد دخل جيش التتار مناطق جديدة لم يدخلوها قبل ذلك، ولقد اختلف الأمر حتى في طرق الإعداد، وفي السياسة التترية بصفة عامة، ولقد عانى أهل الأرض جميعاً معاناة شديدة من هذا الغزو التتري الجديد.
ترى ما هي تفاصيل هذا الغزو؟ وما هو رد العالم الإسلامي؟ وهل سيفكر التتار في غزو العراق أم لا؟ وما هو موقف الصليبيين في أوربا من هذه الحملات التترية البشعة؟ هذا ما سنعرفه وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.
أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.