نسي المسلمون امتحان ربهم ولم يستعدوا له، وبينما هم كذلك جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه؛ ليرى ذلك المسلم الذي انتصر عليه مرتين في غزنة وفي كابل، وكان المسلمون منذ قليل في انتصار، وأما الآن فقد دب الرعب والهلع في جيشهم، وقلّت أعدادهم، وتحطمت معنوياتهم.
فلما رأى جلال الدين أن جيشه أصبح ضعيفاً جداً، أخذه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيز خان، أو ليتجنب الحرب في هذه الظروف، ولكن جنكيز خان كان مصراً على الحرب، وفعل جلال الدين مثل ما فعل أبوه من قبل، فبدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد، حتى وصل إلى حدود باكستان، فاخترقها واخترق كل باكستان حتى وصل إلى نهر السند الذي يفصل بين باكستان وبين الهند، وهناك قرر عبور نهر السند ودخول الهند مع أن علاقته بأهلها كانت سيئة جداً، ولكنهم كانوا عنده أرحم من لقاء جنكيز خان، فلم يجد سفناً فانتظر، ثم فوجئ بجيش جنكيز خان من خلفه، فلم يكن هناك بد من القتال، فنهر السند من خلفه والسفن على مسافة بعيدة، ولن تأتي إلا بعد أيام، فدارت موقعة رهيبة بين الطرفين، وكل من شاهدها قال: إن كل ما مضى من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال، واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة، واستحر القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان الذي كان في المعركة السابقة يخاصم على الغنيمة مع سيف الدين بغراق، فقتل ولم ينل من الدنيا شيئاً، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة، ولكن شتان بين من يموت مناصراً للمسلمين بكل قوته، وبين من يموت وقد تسبب مصرعه في فتنة أدت إلى هزيمة مرة.
وفي اليوم الرابع انفصل الجيشان لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، وبينما هما في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند، فاتخذ جلال الدين قراره السريع بالهروب كما اتخذه أبوه من قبل، فركب السفينة مع خاصته ومقربيه وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية لنهر السند مع بلاد المسلمين ومدنهم وقراهم، ومع المدنيين دون حماية عسكرية، وجيوش التتار لا تفرق بين مدني وعسكري، هذا بالإضافة إلى الحقد الشديد في قلب جنكيز خان نتيجة الهزيمتين السابقتين.