الأثر السابع وهو أثر ملحوظ جداً: اختفى معظم الأمراء الأيوبيين، الذين كانوا أقزاماً في ذلك الزمن الذي لا يعيش فيه إلا العمالقة، والذين فرطوا تماماً في حمل الأمانة الثقيلة التي خلفها لهم جدهم العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولم يكن لهم من هم إلا الصراع على السلطة وجمع المال وتوريث الأبناء، وعاشوا حياتهم في مؤامرات ومكائد، وداسوا على كل الفضائل والمكارم في صراعاتهم، حتى اشتهر بينهم موالاة النصارى تارة، والتتار تارة أخرى، بل واستعانوا بهم في حرب إخوانهم من المسلمين، وأحياناً في حرب إخوانهم الأشقاء، وظلّ هؤلاء الأقزام يُذيقون شعوبهم الألم والظلم والقهر والخيانة، ويقاومون أي مشروع للوحدة تحت راية واحدة؛ لأن كل واحد منهم يريد الحكم لنفسه، وظلوا يقاومون الحكم المملوكي في مصر سنوات طويلة، ويتعاونون مع الصليبيين لإسقاطه، إلى أن حدثت موقعة عين جالوت الخالدة، فكشفت هذه الزعامات الوهمية الفارغة أمام شعوبها وسقطت، وعرف كل زعيم منهم قدره الحقيقي، ورضي بما يناسب حجمه، فإما أن يرضى بإمارة بسيطة تحت حكم قطز العظيم رحمه الله كما رضي بذلك الأشرف الأيوبي كما فصلنا منذ قليل، وإما أن ينخلع من مكانه ويترك المكان للأقوياء العظماء، فقد حفظت عين جالوت الأمة وحمتها من أعدائها التتار، وحمتها كذلك من شر أبنائها، من أمثال هذه الزعامات الفارغة.