الأثر الثاني لموقعة عين جالوت: انتصار المسلمين في عين جالوت على الهزيمة النفسية البشعة التي كانوا يعانون منها، والتي فصلنا ذكرها في أول المحاضرات، فقد خرج المسلمون من حالة الإحباط الشديدة التي كانت تسيطر عليهم، وعلموا أن الأمل في الله عز وجل يجب ألا ينقطع أبداً، وأنه مهما تعاظمت قوة الكافرين فإنها ولا شك إلى زوال، وفقهوا حقيقة قول الله عز وجل: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197].
وأدرك المسلمون بوضوح أنهم يستطيعون الانتصار بأنفسهم دون أن ينتظروا جيش المهدي أو جيش غيره، ويستطيعون أن يصنعوا النصر بأيديهم إذا عادوا إلى الله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي ينصر ويؤيد ويمنح العزة والتمكين، ولكن لابد أن يقدم المسلمون شيئاً.
واستمع إلى قول الله عز وجل في سورة التوبة حيث يقول سبحانه وتعالى على لسان المؤمنين: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52].
هكذا فقه المسلمون هذه الحقيقة الواضحة في أنهم لابد أن يصنعوا النصر بأيديهم، ولابد أن يتحركوا بأنفسهم ويعملوا، ثم ينزل الله عز وجل نصره على من يشاء من عباده.
فظهر للمسلمين بوضوح بعد عين جالوت أن الله عز وجل قادر على كل شيء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهم وإن كانوا يعلمون ذلك علماً نظرياً قبل عين جالوت، فإن موقعة عين جالوت جاءت كالدرس العملي التطبيقي الذي لا يبقي شكاً في قلب أحد.
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107].