انتهز الجيش الإسلامي هذه الفرصة وغادر عكا باتجاه الجنوب الشرقي وأسرع قطز رحمه الله باجتياز مدينة الناصرة وتعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل إلى منطقة تعرف بسهل عين جالوت.
وعين جالوت سهل يقع في الوسط تقريباً بين مدينتي نابلس في الجنوب وبيسان في الشمال، وهي بالقرب جداً من معسكر جنين الآن، ومنطقة جنين هذه دارت فيها بعد ذلك بقرون موقعة هائلة بين المجاهدين الفلسطينيين وبين اليهود، وزاد فيها شهداء المسلمين على (500) شهيد بعد أن صبروا في قتالهم صبراً عجيباً.
وهذا السهل موقعه موقع فريد، فهو على مسافة (65) كيلو متر جنوب منطقة حطين، التي دارت فيها الموقعة الخالدة حطين سنة (583 هـ)، يعني: قبل (75) سنة من موقعة عين جالوت، وكذلك يقع على مسافة حوالي (60) كيلو متر إلى الغرب من منطقة اليرموك التي تمت فيها موقعة اليرموك الخالدة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه منذ أكثر من ستة قرون، وهكذا ساهمت الذكريات الجميلة حول منطقة عين جالوت في تحميس وتحفيز الجيش المسلم الصابر هناك.
وجد قطز رحمه الله أن سهل عين جالوت منطقة مناسبة جداً للقتال؛ لأنه عبارة عن سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي، فهو مفتوح من الجانب الشمالي، كشكل حدوة الحصان، وأما من الغرب والشرق والجنوب فهو عبارة عن تلال متوسطة منخفضة مليئة بالأحراش والأشجار التي تصلح تماماً لتكون مخبأً للجيوش الإسلامية، فيستطيع أن يعمل فيها كمائن كبيرة، ويستطيع أن يحاصر الجيش التتري في داخل هذا السهل الواسع، وعمل مناورات كثيرة جداً، فوجد الأرض مناسبة فرتب جيوشه، وكتبغا لم يأت بعد.
انتهى قطز رحمه الله من ترتيب جيشه ووضع على فتحة السهل الشمالية المفتوحة مقدمة الجيش القوية، التي كان على رأسها ركن الدين بيبرس رحمه الله، وأخفى كل الجيش بعد ذلك وراء الأحراش في الشرق والغرب والجنوب، وانتهى رحمه الله من هذا الإعداد والترتيب في (24) رمضان سنة (658هـ)، أي: أنه كان في العشر الأواخر من شهر رمضان، في الشهر الذي وقعت فيه بدر وفتح مكة وفتح الأندلس.
وانتظر المسلمون على تعبئة في هذا الجو الإيماني الجميل جداً.