اجتاز ركن الدين بيبرس رحمه الله الحدود المصرية في (26) يوليو سنة (1260م) ودخل فلسطين، وكان بقية الجيش المسلم لا يزال في الطريق، وبمجرد دخول المقدمة الإسلامية أرض فلسطين، اجتازت بسرعة رفح وخان يونس ودير البلح واقتربوا جداً من غزة، ورآهم التتار هناك بعد أن اكتشفت عيونهم هذه المقدمة، وحدث ما توقعه قطز رحمه الله، ظنوا أن المقدمة هي كل الجيش، والتقت الحامية التترية التي كانت في غزة مع مقدمة الجيش المسلم في موقعة غزة، وكما ذكرنا قبل ذلك كانت مقدمة الجيش المسلم مقدمة قوية قائدها ركن الدين بيبرس القائد البارع، والحامية التترية في غزة صغيرة نسبياً، والجيش التتري الرئيسي معسكر على مسافة بعيدة جداً، على مسافة حوالي (300) كيلو متر من غزة في سهل البقاع في لبنان، وكانت كل الحسابات تعطي فرصة كبيرة للجيش المسلم أن يحقق انتصاراً ولو بسيطاً، وبالفعل انتصر ركن الدين بيبرس رحمه الله بمن معه من الجنود على الحامية التترية الصغيرة وقتلوا منها بعضها، وفر الباقون إلى الشمال؛ ليخبروا كتبغا الذي يعسكر في سهل البقاع بالهزيمة النسبية التي وقعت للحامية التترية في غزة، ويخبرونه كذلك أن الجيوش الإسلامية تتقدم في اتجاه الشمال.
الحامية التترية في غزة فوجئت بالجيش المسلم، وكانت مفاجئة كبيرة جداً لهذه الحامية، ولم تكن المفاجأة مفاجأة المباغتة أو الخطة العسكرية أو الإستراتيجية، أو اتخاذ مواقع معينة، أو فنون الحرب بصفة عامة، وإنما كانت المفاجأة الحقيقية أن التتار اكتشفوا أن هناك طائفة من المسلمين ما زالت تقاتل وتحمل السيوف، وتدافع عن دينها وعن أرضها وعن شرفها وعن عرضها وعن كرامتها، وكان قد ألِف التتار في كل السنوات السابقة أن يروا المسلمين يفرون ويهربون، وألِف زعماء التتار أن يروا زعماء المسلمين يطلبون دائماً التحالف المخزي والركوع المذل، وما توقعوا أبداً أن تظل هناك طائفة مسلمة تدافع عن دينها وحقها، ولكن هذه الأمة مهما ضعفت فإنها لن تموت، ومهما ركع منها رجال فسيظل منها آخرون يدافعون عنها ما بقيت الحياة.
واسمعوا هذا الحديث الجميل الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).
وستظل هذه الطائفة موجودة إلى يوم القيامة.
وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله عن أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه زاد زيادة هامة جداً، فقد سأل بعض الصحابة عن هذه الطائفة فقالوا: (أين هم يا رسول الله؟! قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
وببيت المقدس في فلسطين، وأكناف بيت المقدس حول فلسطين والشام.