انتصر المسلمون على التتار في غزة، وهذا الانتصار كان انتصاراً جزئياً أو مرحلياً أو بسيطاً، وبعض المؤرخين يقللون جداً من شأن معركة غزة، حتى يتغافلها تماماً بعضهم، وأنا في الحقيقة أرى أنها من أهم المواقع الحربية في تاريخ المسلمين، ليس لكثرة قتلى التتار، فقد كان القتلى قليلين جداً، ولا لأهمية غزة الإستراتيجية في ذلك الوقت، ولا لغير ذلك من أمور الحرب، ولكن لأنها أساساً عالجت الهزيمة النفسية عند المسلمين، فالمسلمون رأوا بأعينهم أن التتار يفرون، وسقطت المقولة التي انتشرت في تلك الآونة: من قال لك: إن التتار يهزمون فلا تصدقه.
فالآن من الممكن أن تصدقه، وهذه أول مرة يهزم فيها التتار منذ سنين طويلة، فموقعة غزة كان لها أثر إيجابي هائل على الجيش المسلم، وكذلك كان لها أثر سلبي هائل على جيش التتار، فعلى المسلمين ألا يستصغروا أبداً أي عمل من الأعمال، فلا يستصغر مسلم أن تلقى حجارة على يهودي فيجري اليهودي ويهرب، فهذه كبيرة جداً، ولا يستقلنّ مسلم أن يُقتل جندي يهودي أو أمريكي في فلسطين أو في العراق أو في غيرها، فالهزيمة الحقيقية هي هزيمة الروح والنفس، والانتصارات المرحلية البسيطة -وإن كانت عسكرياً لا تمثل الكثير- تفيد كثيراً جداً في رفع الروح المعنوية للأمة، والجيش المحبط من المستحيل أن ينتصر.