توعية الشعب المصري بالجهاد في سبيل الله

بدأت حملة إعلامية تربوية في غاية الأهمية، حملة ليست للقادة والجيش فقط بل للشعب بكامله، فلا بد أن يجهز الشعب لهذا اللقاء الهام، ولا بد أن يعيش الشعب حياة الجد والكفاح ويترك حياة اللهو واللعب، ولا بد أن يحب الشعب الجهاد وتتضح في عينه الأهداف، ولا بد أن يقوم بالحملة الإعلامية رجال مخلصون، وليس بعض المنافقين الذين يتحدثون عن الجهاد، ويشرحون مآسي المسلمين في قطر ما لمصلحة سياسية مؤقتة، فإذا انقضت هذه المصلحة انقطع الوازع وانقطع معه الكلام عن الجهاد والحرب، فهؤلاء الخطباء المنافقون وهذه الأقلام المأجورة لا تصلح لهذه المهمات النبيلة، لذلك كان لا بد أن يحمل مسئولية الدعاية الإعلامية لحرب التتار علماء الأمة وفقهاؤها.

فانطلق الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله ومن معه من علماء الأمة يصعدون منابر المساجد، ويلهبون مشاعر الناس بحديث الجهاد -وما أجمل حديث الجهاد! -، ورغّبوا الناس في الجنة، وزهّدوهم في الدنيا، وعظّموا لهم أجر الشهداء، وحدثوهم عن عظماء المسلمين المجاهدين كـ خالد والقعقاع والزبير والنعمان وطارق بن زياد وموسى بن نصير ويوسف بن تاشفين وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، وذكّروهم بأيام الله، كيوم بدر والأحزاب وفتح مكة، واليرموك والقادسية ونهاوند، وذكّروهم بموقعة حطين الخالدة التي لم يمضِ عليها إلا (75) عاماً، وبموقعتي المنصورة وفارسكور اللتين لم يمض عليهما سوى عشر سنين.

فاشتعل الحماس في قلوب الشعب، فلا بد من تأهيل الشعب لهذا اليوم، وأن يُربى الأطفال والشباب على حب الموت في سبيل الله، وعلى تعظيم أمر الجهاد، وعلى حب الجنة، ولا بد أن يُربى الآباء والأمهات على أن يشجعوا أبناءهم على الجهاد، لا على أن يبعدوا أبناءهم عن كل ما يسبب المشاكل كما يقول الناس، ولا على أن يبعدوهم عما يهدد الروح ولو كان الدين.

ولابد أن تُربى الزوجات على حياة الجهاد، فتحفز الزوجة زوجها على الخروج للجهاد في سبيل الله، وترعى أولادها حق الرعاية في غياب زوجها، وتُربى على استقبال خبر الشهادة بصبر واحتساب، بل وبفرح، فلقد صعد الشهيد من أرض الموقعة إلى الجنة مباشرة، وهذا يدعو للفرح.

وإعداد الشعب ليوم الجهاد مهمة عظيمة، وليست سهلة أو بسيطة أبداً، بل هي صعبة جداً، وتحتاج إلى مجهود كبير وإلى مناهج مكثفة وإخلاص عميق ووقت طويل، وبدون هذا التأهيل لن يصبر الشعب على حياة الجهاد، والحروب والحصار.

والأمر في غاية الجدّية، فليس هناك وقت للترفيه ولا للّعب ولا للمزاح، وليس معنى هذا أن الترفيه واللعب والمزاح بالضوابط الشرعية حرام، لا، ولكن حياة الأمة المجاهدة تختلف عن حياة غيرها من الأمم، فهي أمة جادة فيها شيء من الترفيه، ولسنا أمة لاهية فيها شيء من الجد.

وهذه التربية المركزة جداً تحتاج إلى تغيير جذري في كيان الشعب وفي طريقة تفكيره، وهذا يحتاج إلى مربين من نوع خاص، ولابد من تفعيل دور العلماء للقيام بهذا الواجب العظيم.

وانطلق علماء الأزهر ليقوموا بمهمتهم النبيلة جداً، فقد فقه علماء الأزهر أن عملهم بالأزهر ليس مجرد وظيفة تدر دخلاً لمجابهة متطلبات الحياة، ولا لمجرد الظهور في المحافل المختلفة، ولا لإرضاء حاكم أو أمير، وإنما هي لتعبيد الناس لرب العالمين، وبالطريقة التي أرادها رب العالمين.

فانطلقوا يقومون بالدور الذي طالما قاموا به منذ أن أقر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله المذهب السني في مصر، وهو الدور الذي قاموا به أيام الحملات الصليبية والتتار، والذي قاموا به بعد ذلك في معارك المسلمين اللاحقة مع الصليبيين، ومع الحملة الفرنسية على مصر، ومع الاحتلال الإنجليزي لمصر، ومع الاحتلال اليهودي لها.

ونسأل الله عز وجل أن يضع أقدام علماء الأزهر على الطريق الصحيح لقيادة الأمة في قضاياها الحرجة، وفي مواقفها الخطيرة.

وأصبح شعب مصر مؤهلاً تماماً ليوم اللقاء، واستمر إعداد الجيش وتجهيزه وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين مدة خمسة أشهر، من شهر ربيع الأول سنة (658) هجرية عندما جاءت الرسالة من هولاكو إلى نهاية شهر رجب من نفس السنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015