استعد الأمراء الأيوبيون في الشام للتقاتل مع الملك الصالح أيوب على مصر، وحدثت بينهم مناوشات وحروب، ووصل الأمر إلى مداه في سنة (641) من الهجرة، يعني: بعد أربع سنوات من تولي الملك الصالح حكم مصر توحدت قوى الأيوبيين المتناثرة في الشام، وتحالفت مع الصليبيين من أجل حرب الملك الصالح أيوب في مصر.
فلما علم الملك الصالح بإعداد هذا الجيش الكبير من النصارى ومن الأيوبيين، بدأ يعد جيشاً لملاقاة هذه القوى المتحدة، ووضع على رأس جيشه ركن الدين بيبرس رحمه الله أكفأ قادته، واستعد للمواجهة، ولكن الجيش المصري كان قليلاً وضعيفاً جداً مقارنة بالأعداد الكبيرة لجيوش الشام والصليبيين، فاضطر الملك الصالح للاستعانة بالجنود الخوارزمية، وهم جنود محمد بن خوارزم شاه وجلال الدين بن محمد بن خوارزم وغيرهما من الملوك الخوارزمية، الذين تحدثنا عنهم في بداية هذه السلسلة، وهم كانوا قد فروا من منطقة خوارزم بعد الاجتياح التتري لها، وكانوا جنوداً مرتزقة يتعاونون مع من يدفع أكثر، فكانوا يعرضون خدماتهم العسكرية في مقابل المال، فاستعان بهم الملك الصالح مقابل أجرة، ودارت موقعة كبيرة في غزة في فلسطين بين جيش الملك الصالح أيوب وبين قوى التحالف الأيوبية الصليبية، وكانت هذه الموقعة في سنة (642) من الهجرة، وانتصر فيها الملك الصالح انتصاراً باهراً، وقتل من الصليبيين أعداداً كبيرة، وصلت إلى ثلاثين ألف مقاتل، وأسر مجموعة كبيرة جداً من أمراء وملوك الصليبيين والأيوبيين، واستغل الصالح أيوب الفرصة واتجه إلى بيت المقدس، بعد أن كان الأيوبيون قد تنازلوا عنه للصليبيين، وأعطوهم إياه هدية، فاقتحم الملك الصالح بيت المقدس وحصون الصليبيين، وحرر مدينة القدس المباركة نهائياً بجيشه المدعم بالخوارزمية سنة (643) من الهجرة، بعد سنة من موقعة غزة، ولم يستطع الجيش النصراني أن يدخله أبداً لمدة سبعة قرون كاملة، إلى أن دخلته الجيوش البريطانية في الحرب العالمية الأولى في يوم (16) نوفمبر سنة (1917) من الميلاد، بعد الخيانة المعروفة من مصطفى كمال أتاتورك.
ونسأل الله عز وجل أن يعيد بيت المقدس إلى المسلمين.
ثم أكمل الملك الصالح أيوب الطريق بعد ذلك إلى الشمال، ودخل دمشق ووحد من جديد مصر والشام، ثم اتجه إلى تحرير بعض المدن الإسلامية الواقعة تحت السيطرة الصليبية، فحرر طبرية وعسقلان وغيرهما.