رسالة هولاكو إلى الناصر

أحضر هولاكو الأدباء المسلمين المحترفين التابعين له الذين يصوغون الرسالات، وكتب رسالة مباشرة إلى الناصر يوسف يقول له: إنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى، وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنيانها، وأسرنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن ملكة سبأ: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل:34]-بيستشهد بآيات من كتاب الله عز وجل! - ثم يقول: واستحضرنا خليفتها، وسألناه عن كلمات فكذب، وسألناه عن الكنوز وعن الأسرار فكذب، فواقعه الندم، واستوجب منا العدم، وكان قد جمع ذخائر نفيسة، وكانت نفسه خسيسة، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال، وكان قد نما ذكره وعظم قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال -فـ هولاكو في منتهى الورع! - ثم يقول له: إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه رويزمين -يعني: ملك الملوك على وجه الأرض- تأمن شره وتنل خيره، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم:39 - 41].

ثم يقول: ولا تعوق رسلنا عندك، {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بحريمهم إلى مصر.

فتجار الشام لما عرفوا أن التتار على الأبواب أخذوا الأموال والنساء وهربوا إلى مصر بعيداً عن أرض القتال، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها.

أين النجاة ولا مناص لهارب ولي البسيطان الندى والماء ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضة الأمراء والوزراء وانتهت الرسالة التترية المرعبة، فسقط قلب الناصر يوسف بين قدميه، فقد وضحت نوايا هولاكو، فهو يطلب منه صراحة التسليم الكامل، ويخبره أنه سيتتبع من فر من تجاره وشعبه، وذكره بمصير الخليفة العباسي البائس، فهل يسلم كل شيء لـ هولاكو؟ فماذا يبقى له بعد هذا؟ فحب المال والسلطان يجري في دم الناصر يوسف، وهو ما والى ملك التتار إلا ليظل ملكاً، ولكن الآن هولاكو يقول له: لا، تعال وأنا الذي سأقسّم التركة، وسأقسم الدنيا كلها، ولو لم تأت سينالك ما نال الخليفة العباسي قبل ذلك، فلو رفعه هولاكو من على كرسي الحكم فلماذا يعيش؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015