وبيانه: أنَّهما في الرَّفع بحرفٍ، وفي الجرِّ والنَّصب بحرفٍ آخر، وهذا الاختلاف مَنسوبٌ إلى اختلاف العامل؛ لأنَّه يحدثُ عنه حدوثاً مُطَّرِداً، والاطِّرادُ دليلُ العلَّةِ، فإذا قلتَ: ((قامَ الزَّيدان، والزَّيدون)) و ((رأيتُ الزَّيدَين والزَّيدِين)) ورأيتُ الاختلافِ العامل. فإن قيل: فقد حَصَلَ هُنا اختلافان، حركةُ ما قبلَ حروفِ المَدِّ وحروف المّدِّ، واختلافُ الحركةِ فيما قَبل حَرْفِ المَدِّ ليس بِإعرابٍ، فكذلك حرفُ المَدِّ لا يكونُ اختلافُهُ إعراباً.
فالجوابُ أنَّ الذي اختلفَ بحكمِ الأصلِ هو حرفُ المَدِّ، وهو الأَلفُ في الرَّفع، والياء في النَّصبِ والجّرِّ، وهكذا في جمعِ السَّلامة وحركةُ ما قبلَ هذه الحروف تابعٌ لها، أو ثابتٌ للفرقِ بينها، وليس بحادثٍ للعامل فثبتَ أنَّ اختلافَ هذه الحُروف منسوبٌ إلى العاملِ قَصداً، فكان إعراباً. واحتجَّ للمُخالف أنَّ المثنَّى والمَجموع يتضمَّن معنى واو العطف فكان الاسمُ به مبنيّاً كخمسة عشر ونحوه.
والجوابُ: أنَّ هذين الاسمين غير مركبين، لأنَّ التركيبَ يبقى معه لفظُ كلِّ واحدٍ من الاسمين كخمسةَ عشرَ، والمثنّى صيغة أُخرى غير صيغة الإِسمين المفرَدين، ويطّرد لوضح القياس أن تقولَ: ((زيدٌ زيدٌ))، فأمَّا الزَّيدان والزَّيدِين فلم يَبْقَ فيه غير لفظ الواحد، ثمَّ زيد عليه الحروف للمعاني فبطلَ بذلك أن يكونَ متضمِّناً واو العطف، وإنَّما المثنَّى يُغني عن عَطفِ الاسمِ الثَّاني على الأوَّل، لا أنَّ لفظ المعطوفِ والمعطوفِ عليه باقٍ، يدلّ عليه اختلاف آخرهما بحسَبِ اختلافِ العامِلِ، وليس كذلك ما يَتَضَمَّن معنى الواو. واللَّهُ أعلمُ بالصَّواب.