وقالَ آخرون: نصبُ موضعه بفعلٍ محذوفٍ لا يُذكر لنيابة ((يا)) عنه.
وجهُ القولِ الأولِ: أنَّ موضعَه نصبٌ بـ ((يا)) نفسِها، لوقوعها موقِعَ الفِعل الذي هو: أَدعو وأُنادي. والدَّليلُ على ذلك أنَّ ((يا)) تُشبه الفِعل لأَربعةِ أوجهٍ:
أحدُها: أنَّ الكلامَ يتمُّ بها وبالاسمِ، وليس هذا شأنُ الحُروف، ولولا وُقوعُها موقعَ الفعلِ لم تكن كذلك.
والثاني: أنَّهم أَمالوها، والإِمالةُ من أَحكامِ الفعلِ.
والثالث: أنّهم علقوا بها حرف الجرّ في قولك: يا لَزيدٍ وهذا حكمُ الفعلِ.
والرَّابعُ: أنهم نَصبوا بها الحالَ فقالوا: يا زيدُ راكباً.
ولما أشبهت الفعل من هذه الوجوه نَصبت، ولذلك تُنصب النكرة غير المقصودة، والمُضاف، والمُشابه له.
وأمّا مَنْ قال: العاملُ فيه فعلٌ محذوفٌ، فاحتج بأنَّ الأصل في العَمل للأفعالِ، والحرفُ ينبّه على ذلك الفِعل، لا أنَّه يعمَلُ، ألا ترى أن أدوات الشَّرط إذا حُذف عنها الفِعل أعربت بفعل محذوف دل عليه الحَرف، كذا هاهُنا، إلاّ أن الفرق بينهما أنَّ العامِلَ هُنا لا يَظهرُ؛ لأنه لو ظهر لصارَ خبراً، والمقصود هنا التَّنبيه لا الإِخبار.
والجَوابُ: أن ((يا)) فيها معنى الفِعل وزيادة، وهو التنبيه فصارت كالفعل والزّيادة، فعند ذلك لا يقدّرُ بعدها فعلٌ؛ لأنَّه يصيرُ إلى التَّكرارِ والله أعلمُ بالصواب.