والحَرفُ مبنيٌّ، فإذا وقع الاسمُ موقعَ المبنيّ وجبَ أن يُبنى فكيفَ إذا وقعَ موقعَ الحرفِ؟ ألا تَرى أنَّ المنادى المُفرد مبنيُّ لوقوعِهِ موقعَ المضمرِ أو الخطابِ، وقد شَهِدَ لصحَّةِ ذلكَ قولُ الشاعر:
لم يَمنع الشُّربَ منها غَيْرَ أَن نَطَقَتْ ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوقالِ
ففتحَ الرَّاء، ولا سَبَبَ له إِلاّ ما ذكرنا.
والجوابُ عنه من وَجهين:
أحدُهما: أنَّ المضافَ إلى غَيرِ المُتمكن يَجوزُ بناؤُه وليسَ معناه ((إلا)) كقولِهِ: {وهُم من فزع يومئذٍ}، وكذلك الآي الأُخَر، فَبَطَلَ التَّعليلُ بوقوعه موقعَ ((إلا)).
والثاني: أن وقوعَ الاسمِ موضعَ الحرفِ لا يُوجبُ البناء، أَلا تَرى أن قولَك أخذتُ بعضَ المالِ. معربٌ، ولو قلتَ: أخذتُ من المالِ صحَّ المعنى وقد وبعدَت بَعضُ موضع من، وتقول: زيدٌ مثلُ عمروٍ فترفعُ مع جوازِ أن تكونَ في موضعِ الكاف.
أمَّا قولُه: ((غيرَ أنْ نَطَقَتْ)) فلمْ يَكُنْ بناؤُها لِمَا ذَكَرُوا، بل لإِضافَتِها إلى غيرِ متمكنٍ على ما ذكرنا، والله أعلمُ بالصّواب.