كان غيرَ متصرّفٍ، ألا تَرى أنّك لو قُلتَ: عندي درهماً عشرون لم يَجُزْ، فكذلك إذا قلتَ: نَفْساً طابَ زيدٌ.
فإن قيلَ: الفرقُ بينهما أنَّ العاملَ في الأوّلِ غيرُ متصرفٍ، والتقديم تَصَرُّفٌ فلا يوجبُه غيرُ المتصرّف، بخلافِ قولكَ: طابَ زيدٌ فإِنّه مُتصرّفٌ فجازَ تقديمُه على العامِلِ فيه كالمفعولِ.
قُلنا: هما ــــ وإن افترقا فيما ذكرتم ــــ فهما مُشتركان في كونِ كلِّ واحدٍ منهما مميّزٌ منسوبٌ إلى عاملٍ، وإذا اشترك الشَّيئان في وصفٍ خاصٍّ كَفَى ذلك للإحاق، ولم الفَرقُ قاطِعاً للإِلحاقِ.
الطريقُ الثاني: أن المُمَيّز هاهُنا فاعلٌ في المَعنى، وتقديمُ الفاعِلِ على الفِعلِ غيرُ جائزٍ؛ بيانُهُ أن قولَك: طابَ زيدٌ نَفساً تقديره طابَتْ نفسُ زَيدٍ، ثم أُزيل الفاعل عن موضِعه ونُسب الفعلُ إلى زيدٍ وهو فعلُ الفاعلِ في الأصلِ، وتطرَّق إليه الاحتمالُ فجُعلت النفسُ مميزةً قاطعةً للاحتمالِ، وإذا كان كذلك امتنعَ التقديمُ لوجهين:
أحدُهما: ما تقدّم من كونِ النَّفسِ فاعِلاً.
والثاني: أن تقديمَ النفسِ يُخرجُ هذا الباب عن حقيقةِ التّمييز لأنّ قولكَ: نفساً طابَ زيدٌ يمنعُ من الاحتمالِ فلا يبقَى عليه اسم التّمييز، بخلاف ما إذا تأخَّر فإن الاحتمالَ يكونُ موجوداً فيحاوَلُ بالتَّمييز رَفعُهُ بعدَ وقوعِهِ.
واحتجَّ الآخَرون بالسَّماعِ والقِيَاسِ: