وحجةُ الآخرين أنَّه لم يأتِ في القرآنِ الرّفع من هذا القبيلِ بل جاءَ بالنَّصب، كالآيةِ التي ذكرناها، وكقوله تَعالى: {فكان عاقِبَتُهُمَا أنَّهما في النّارِ خَالِدَيْنِ فيها} ولما لَم يكنْ في الكَلامِ ظرفٌ آخرُ جاء الرَّفع والنَّصب فالرفعُ قوله تعالى: {إنّ المُجرمين في عذابِ جَهَنَّمَ خالِدُون} والنَّصبُ قوله: {إن المُتَّقِيْنَ في جَنَّاتٍ وَعُيُون. آخِذِيْنَ} قالُوا: والقِياس يَقْتَضي ما قُلنا، وذلك أنّا إذا رَفَعْنا الخَبَرَ تَعَلَّقَ الظَّرفُ الأَوَّلُ به، فلا يَبْقَى للظَّرفِ الثَّاني ما يَتَعَلَّقُ به، بَلْ يكونُ مُنْقَطِعاً.
والجوابُ: أمَّا الآيةُ فلا حجةَ فيها؛ فإن النَّصبَ عندنا جائزٌ، وليسَ فيها منعٌ من الرّفعِ، بل هو مَسْكُوتٌ عنه، على أَنَّ الآيةَ الثانيةَ قد قُرِئَتْ بالرَّفع وهي قوله: {فكانَ عاقبتهما أنَّهما في النارِ خالِدَان فيها} قولَهم إذا رَفعتَ الخبر لم يبقَ للظَّرف الثاني ما يَتَعَلَّقُ به قلنا: بَلَى يتعلَّق الظرفان بقائمٍ، ويكونُ الثاني مُكرراً للتوكيد، كما تقولُ: جاءَني زيدٌ جاءني زيدٌ، ومررت بزيدٍ، بزيدٍ، ولا فرقَ في التّكريرِ للتوكيد من أن تتكرر الجُملة بأسرها وبين أن يَتَكَرّر الجُزءُ منها، وإِذا جازَ أن يُؤكَّد الكلامُ بما ليس مِنَ الجُملَةِ فبأنْ يتأكَّد بجُزءٍ منها أَولى كقوله تَعالى: {فَبِها رَحْمَةٍ مِنَ الله}، {فَبِما نَقْضِهِم مِيثاقَهُمْ}.