والوجهُ الثّاني: أنّ الماضيَ يقعُ موضعَ المستقبلِ كقوله تعالى: {ويوم يُنفَخُ في الصُّور ففزعَ من في السَّمواتِ} ويقعُ المُستقبل بمَعنى الماضي كقوله تعالى: {فَوَجَدَ فيها رَجُلين يَقْتَتِلان} وإذا وَقَع كلُّ منهما موقعَ الآخرِ وجازَت الحالُ من أحدِهما كانَ الآخرُ كذلكَ.
والجوابُ: أمَّا الآيةُ فالجوابُ عنها من أوجه:
أحدُها: أنَّ الآية يرادُ بها الدُّعاء كما تقولُ: جاءَ زيدٌ ــــ قبحه الله ــــ وعلى هذا لا حُجَّةَ فيها.
والثَّاني: نُقَدِّرُ أنَّه وَصفٌ، ولكنّ الموصوفَ محذوفٌ تقديرهُ أو جاؤُوكم قومًا حَصِرَتْ، فـ ((قوماً)) هو الحالُ، و ((حَصِرَتْ)) نعتٌ لها.
والثالثُ: أن ((قَد)) معه مقدّرة أي قد حَصِرَتْ، ونحنُ نجوِّزُ ذلك.
والرَّابعُ: أن حَصَرَ صُدُورِهِمْ كانَ مَوجوداً وقتَ مَجِيْئِهِم، فالفِعْلُ هُنا لم يَنْقَطِعْ بخلافِ مسألتنا فإنَّ قولَك: مررتُ برجلٍ ضَرَبَ أمسِ قَد انْقَطَعَ الضَّربُ منه في الحالِ، وبَينَ المَسألتينِ بَونٌ بَعيدٌ.
وأمَّا وقوعُ الماضي صفةً فلا يلزمُ منه وقوعُهُ حالاً؛ لأنَّ الماضي يوصفُ به على وجهٍ تَزول الصّفة في الحالِ، ويكونُ الوصفُ بها ماضياً بخلافِ الحالِ فإن بابَها أن تكونَ مقارنةً للفِعل، ويُقوِّي ذلكَ أمران:
أحدُهما: أنَّ الحالَ تقدّر بالظرفِ كقولك: جاء زيدٌ راكبًا، أي في حال ركوبه، والعامِلُ في الظَّرف جاءَ، والظَّرف مقارنٌ للمظروفِ، كذلك الحالُ.