أحدُها: أنَّ ((لا)) مركبةٌ مع الاسم، والتَّركيبُ يُوجب البِناء كخمسةَ عشرَ؛ وبيانُ مركبةٌ مع الاسمِ، أنَّها إذا فُصِلَ بينهما أُعربَ كقولهِ تَعالى: {لا فِيْها غَوْلٌ} وإذا لَزِمَ الفَتحُ مع الوصل، وزالَ مع الفَصلِ دلَّ أنَّه حادِثٌ للتَّركيبِ، والتَّركيبُ يُوجِبُ البِناء؛ لأنَّه يُجعلُ فيه الشَّيئان كالشيء الواحدِ على وجهٍ يلزمُ فيه الاتّصال، ويَجري مَجرى الحَرفِ، إذ لا يَستغني عن الحرفِ.

والوجهُ الثاني: أنَّ الكلامَ تَضَمَّنَ معنى الحَرفِ فكانَ مبيناٌ ك ((أينَ)) و ((كيفَ))، وبيانُ ذلِكَ أن قولك: لا رجلَ في الدار تقديره: لا من رجلٍ، وإنما قُدّرَ ذلك؛ لأنَّ ((من)) موضوعة لبيان الجنس، والنفي هاهُنا للجنسِ كلِّه و ((لا)) بنفسها لا تَنفي الجنس، فقد ثَبَتَ في اللَّفظِ مَعنى لا يَثْبُتُ إلاّ بالحرفِ، وإذا تَضَمَّنَ الاسمُ معنى الحَرف بُني؛ لأنَّه أَدَّى ما يُؤَدّيه الحرفُ لفظاً، فتَعدّى إليه حكمُهُ وصارَ هذا كخمسةِ عشرَ، في أنَّ التّقدير: خمسة وعشرة، ويدلُّ على أن ((من)) هي التي تفيد نفي الجنسِ هُنا أنَّك لو قلتَ: لا من رجلٍ في الدارِ لم يَجزْ أن يكونَ فيها اثنان، ولا أكثرَ، ولو قلتَ: لا رجلُ في الدَّارِ جاز أن يكون فيها اثنان أو أكثر، فإذا قدرت ((من)) كان حكمُها هذا الحكم.

والوجهُ الثالثُ: أن ((رجُل)) هاهنا لو كان معرباً لكان منوّناً؛ لأن التَّنوينَ تابعٌ للإِعرابِ، وإِنّما يمتنع بالألفِ واللامِ وعدمِ الصَّرفِ والإِضافةِ، وكلُّ ذلك غيرُ موجودٍ، فَتَعيَّن أن يضافَ عدمُ التَّنوين إلى البناء.

والوجهُ الرابعُ: أنه لو كانَ مُعرباً لكانَ بفعلٍ محذوفٍ، وكان التَّقديرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015