كأنَّ زيداً الأَسَدُ إنَّ زيداً كالأَسدِ ثم اهتموا بتقديمِ مَعنى التَّشبيه فأدخلوا الكاف على ((إنَّ)) وفتحوا الهَمزة، كما تُفتح بعد حروفِ الجَر. وأمَّا ((لكنَّ)) فعدتُها أكثرُ عندَ البَصريين لمَّا دخلها معنى الاستِدراك، وعندهم هي مركبةٌ، وهذا يُؤنس بأنَّ الأصلَ ((علّ)) كسائِر أَخواتها.
والوجهُ الثالثُ: أنَّ هذه الحروف مشبهةٌ بالفعلِ في العملِ والفعلُ تلحقه الزوائد، فجاز أن تكونَ اللاَّمَ زائدةٌ، كما تُزاد في الفِعلِ كقولك:
إنّ زيداً لَيَقوم، وكقولك: والله لقامَ زيدٌ.
وشبهة الآخرين: أنَّ الحذفَ تَصَرُّفٌ، والحُرُوف لا تَتَصَرَّفُ، ولهذا حكمنا على الألفِ في ((ما)) و ((لا)) بأنَّها أصلٌ، وليست في الأسماءِ والأفعالِ أصلٌ بحالٍ، بل إمَّا زائدةٌ أو منقلبةٌ، ويقوي ذلك أنَّ نونَ الوقايةِ لا تَكَادُ تَجِيْءُ مع ((لَعَلَّ)) بل تقولُ: ((لَعلّي)) و ((لَعلّني))، قَليلٌ جدّاً، [و] ما كانَ ذلك إلاّ لأنَّ اللامَ الأولى أصلٌ وبعدَ العين لامان، والنون تُشبه اللام فكانت على هذا تَجتمع في التقدير أربعُ لاماتٍ فَتُحُومِيَ ذلك فِراراً من اجتماع الأَمثال.
والجوابُ عما ذَكَرُوه أنَّ الحروفَ قد وقعَ فيها حذفٌ، والحذفُ تَصَرُّفٌ، كما أن الزّيادةَ تَصرُّفٌ، بل التَّصرفُ بالحذفِ أَقوى وبالزّيادة أَضعفُ، فإذا جَوَّزوا الحذفَ مع قُوَّته فالزّيادةُ أَولى.
وأمَّا نونُ الوِقاية فدُخولها لما ذَكَرُوا ولكنْ لا يلزمُ منه الحُكمَ بأَصالتها وبيانُه من وَجهين: