والثاني: نُسلّم أنها غير مُتصرّفة ولكن هي فعل لما ذكرناه في موضعه والفعل بحق الأصل عامل قوي وإن ضعف في بعض المواضع لم يَسلبه عمله الأَصلي، وعمل الفعل يَقتضي أن يكونَ معمولُهُ متأخراً ومتوسطاً ومتقدّماً، وقد ظهرَ أثرُ ذلك في ((ليس))، وهو تقدّم مَنصوبِها على مَرفوعِها ومخالَفَتِها في ذلك ((ما)) لمّا لم تكن متصرفةً، ولم تَكنْ فعلاً، فكذلك يجوزُ تقديمُ منصوبِها عَلَيْها إذ لا فرق في التقديم بين القَريب والبَعيد يدل عليه أن منصوبها إذا تقدم على مرفوعها كانت ليس إلى جنبه وإذا تقدم عليها كانت إلى جنبه أيضًا، ولا فرق بين أن تليَه أو يليَها.

أما النقض بالمسائِل التي ذكروها فلا يَردُ؛ لأن كلِّ واحدٍ منها اقترن به ما يمنع من التقديم، والمانع قد يرجّح على المُقتضى، و ((ليس)) مقتضية ولم يقترن بها مانع من التقديم بخلاف تلك المسائِل فإن المانِعَ مقترنٌ بها.

وبيانه: أمَّا نعَمَ رجلاً ((زيدٌ)) فالمانع فيه من التقديم شيئان:

أحدهما: أن رجلاً هاهنا فاعل في الأصل، إذ التقدير نعم الرّجل، ثم نُكّر وجعل تمييزاً للمبالغة، وهو مثل قولهم: ((طبتُ به نفساً)) أي طابت نفسي به وإذا كان واقعاً موقع الفاعل لم يجز تقديمه لأن الفاعل لا يتقدم على الفعل.

والوجه الثاني: أن فاعل نعم مضمر فيها على شريطة التفسير وهو ((رجلاً)) مفسر للضمير فلو قُدّم لقدم المفسَّر على المفسِّر، وهذا خلاف الأصل، والمميَّز على المميِّز ونظير ذلك قولك: عندي عشرون درهماً، ولو قلت عندي درهماً عشرون لم يجز.

أمَّا ((عسى)) فالجواب عنها من خمسةِ أوجهٍ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015