والثاني: أن الذي في البيت ((لا)) و ((لا)) ليست أصلاً في هذا الباب، وكذلك لم، وقد جوزوا تقديم الخبر فيها بخلاف ((ما)) فإنها الأصل في النفي، وهي أمُّ بابه، فالنفي فيها آكد.
والثالث: أن ذلك من أحكام الشعر، لا أحكام الاختيار قولهم إن معنى ((ما زال)) الإِثبات، قلنا: لا نظر إلى ما يحصل من معنى المركب، بل الاعتبار بوجود الحرف الذي يصدر به الكلام، ألا ترى أن الاستفهام إذا دخل على النفي صار معناه الإِيجاب، والتقرير، ومع هذا يكون الجواب فيه بالغاً، والحكم للفظ، لا لما آل المعنى إليه كقوله تعالى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} {فتهاجروا} منصوب على جواب النفي، والاستفهام ولو كان هذا على محض الإِيجاب لم يجز النَّصب.
وأمَّا امتناع دخول ((إلا)) فهو من قبيل المعنى؛ لأن الاستثناء مخالف للمستثنى منه، ولا شكَّ أن معنى ما زال الإِثبات، وأن النَّفي نقضٌ له، وهذا على خلاف الإِعراب، والتقديم والتأخير؛ لأن ذلك من مكملات اللَّفظ، ألا ترى أن قولك: قائماً ما زيدٌ، وما قائماً زيدٌ مثل ما زيدٌ قائماً في المعنى وهو غير جائز في الإِعراب هاهنا والله أعلم بالصواب.