أحدُهما: أنَّ المبتدأ اسمٌ جامدٌ ليس فيه معنى الفعل، والجوامدُ لا تعملُ بخلاف الابتداء فإنَّا قد ذكرنا شبهه بالفعلِ، وقولهم: هو أحدُ جزأي الجُملة لا يَقتضي العَمل، فإِنَّ الفاعلَ أحدُ جزأي الجُملة ولا يَعملُ في الجزءِ الآخر.
الوجهُ الثاني: أنَّ المبتدأ لو كانَ عاملاً لم يَبطل عَمله لدخولِ عاملٍ آخر عليه، ومن المَعلوم البَيِّن أنَّ ((كانَ)) و ((إنَّ)) يعملان في الخَبر عند أبي عَلِيٍّ مع اشتراك الجَميع في اللَّفظِ، قوله:
((المبتدأ يَقتضي الخَبر)) قلنا: إنَّما اقتضاه بواسطةِ اقتضاءِ الابتداء لَهما، فالأصلُ هو الابتداء الذي أَحدثَ للمبتدأ اقتضاء الخَبر ومثاله في الحِسِّيات أنَّ النارَ تُوصل الحَرارة إلى ما في القدرِ ولكن بواسطةِ القدرِ لا أنَّ القدرَ هي المنضجةُ.
كقولهم: ((معنى المبتدأ يبقَى بعد بطلانِ الابتداء))، ليس كذلك لأنَّ معنى الابتداء هو اقتضاءُ الاسم للخبر وهذا باقٍ بعدَ ((كان)) و ((إنَّ)) وإنَّما لم يَعمل لوجود ما هو أقوى منه، ثُمَّ ولو قدَّرنا بطلانَ معنى الابتداءِ للزمَ منه بُطلان معنى المبتدأ؛ لأنَّ المبتدأ لم يكنْ مبتدأً إلاَّ لوجودِ معنى الابتداء، وإِذا زالَ المُوجِبُ، زالَ الموجَبُ.
وأمَّا قولُ الآخرين: ((إنَّه قَويَ أحدُهما بالآخرِ)) فليس كذلك، لأنَّ المبتدأ لا يصلُحُ للعملِ فلا يَصلُحُ أن يقوّي به العامِلُ وأمَّا ((إنْ)) الشَّرطيَّة فيأتي الكلامُ عليها في موضِعها إن شاء الله تَعالى واللَّه أعلمُ بالصَّوابِ.