فصل
ومن ذلك قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)} [ق: 1 - 2].
الصحيحُ أنَّ: "ق"، و"ن"، و"ص"؛ بمنزلة "حم"، و"ألم"، و"طس"؛ تلك حروفٌ مُفْرَدَةٌ (?)، وهذه متعدِّدَةٌ، وقد تقدَّمت الإشارة إلى بعض ما قيل فيها (?).
وهاهنا قد اتَّحَدَ المُقْسَمُ (?) به، والمُقْسَمُ عليه؛ وهو: القرآن.
فأقسَمَ بالقرآنِ على ثبوته وصدقه، وأنَّه حقٌّ من عنده. ولذلك حذف الجوابَ ولم يُصَرِّح به؛ لمَا في القَسَم من الدلالة عليه، ولأنَّ المقصود نفس المُقْسَم (?) به كما تقدَّم بيانه.
ثُمَّ أخذ -سبحانه- في بيان عَجَب الكفَّار من غير عَجَبٍ، بل بما لا ينبغي أن يقع سواهُ، كما قال سبحَانه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 1 - 2]، فأيُّ عَجَبٍ من هذا حتَّى يقول الكافرون: {إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)}؟ وكيف يُتَعَجَّبُ من رحمةِ الخالقِ عبادَهُ، وهدايتِه، وإنعامِه عليهم بتعريفهم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بطريق الخير والشَّرِّ، [ز/ 152] وما هم صائرون إليه بعد الموت، وأمرِهِم