فإذا قلع العبدُ تلك الصفاتِ من قلبه (?)، وعَمِلَ على التَّطهُّرِ منها والاغتسال، بَقِيَ للشيطان بـ "القلب" خَطَرَاتٌ، ووَسَاوِسُ، ولَمَّاتٌ من غير استقرار، وذلك يُضْعِفُه، ويقوِّي لَمَّةَ المَلَك، فتأتي الأذكارُ، والدَّعواتُ، والتعوُّذَاتُ؛ فتدفعه بأسهل شيء.
وإذا أردت لذلك مثالًا مطابقًا: فَمَثلُه مَثَلُ كلبٍ جائعٍ، شديدِ الجوع، وبينك وبينه لحمٌ أو خبزٌ، وهو يتأمَّلك، فيراك لا تقاوِمُه وهو قد اقتربَ منك، فأنت تَزْجُرُه، وتصيح عليه، وهو يأبَى إلا الهجوم (?) عليك، والغَارَة على ما بين يديك.
فالأذكارُ بمنزلة الصِّيَاح عليه، والزَّجْرِ له، ولكنَّ مَعْلُومَه ومُرَادَهُ عندك، وقد قَوَّيتَهُ (?) عليك، فإذا لم يكنِ بين يديك شيءٌ يصلح له -وقد تأمَّلَكَ فرآكَ أقوى منه- فإنَّك تزجُره فيَنْزَجِر، وتصيحُ عليه فيذهب. وكذلك "القلبُ" الخالي عن قُوت الشيطان يَنْزَجِرُ بمجرَّدِ الذِّكْرِ.
وأمَّا "القلب" الذي فيه تلك الصفات التي هي مَرْكبه وموطنه، فيقع الذِّكْرُ في حواشيها وجوانبها، ولا يقوى على إخراج العدوِّ.
ومصداق ذلك تجاة في الصلاة، فتأمَّل الحالَ، وانظر: هل تخْرِج الصلاة وأذكارُها وقراءَتها الشيطانَ من قلبك، وتفرغه كلَّهُ لله تعالى، وتُقِيمُه بين يديه مقبلًا بكُلِّيَّتِهِ عليه، يصلي [ح/156] لله -تعالى- كأنَّه يَرَاهُ، قد اجتمع هَمُّهُ كلُّهُ على الله، وصار ذِكْره، ومراقَبته، ومحبَّتُه،