وأجاب أرباب "القلب" عن هذا: بأنَّه (?) لا يمتنع زواله بفساد "الدِّماغ" وإن كان في "القلب"؛ لما بين "القلب" و"الرأس" من الارتباط. وهذا كما (?) يمتنع نباتُ شعر "اللِّحْيَة" بقطع "الأُنْثَيَين"، ففساد القوَّة بفساد العضو قد يكون؛ لأنَّه مَحَلُّها، وارتباطه بها. والله أعلم.
وعلى كلِّ تقدير فذلك من أعظم آيات الله، وأدلَّته، وقدرته، وحكمته، كيف تَرْتَسِمُ (?) صورة السموات، والأرض، والبحار، والشمس، والقمر، والأقاليم، والممالك، والأمم؛ في هذا المَحَلِّ الصغير؟ والإنسانُ [ز/ 144] يحفظ كتبًا كثيرةً جدًّا، وعلومًا شتَّى متعددة، وصنائع مختلفة، فترتَسِمُ كلُّها في هذا الجزء الصغير، من غير أن تختلط (?) بعض هذه الصور ببعض، بل كلُّ صورةٍ منهُنَّ بنفسها مُحَصَّلَةٌ في هذا المَحَلِّ.
وأنت لو ذهبتَ تنقُشُ صورًا وأشكالاً كثيرةً في مَحَلٍّ صغيرٍ لاختلط بعضُها ببعضٍ، وطَمَسَ بعضُها بعضًا. وهذا الجزء الصغير تنتقش فيه الصور الكثيرة المختلفة، والمتضادَّة (?)، لا تُبطل منها صورةٌ صورةً.
ومن أعجب الأشياء أنَّ هذه "القوَّة العاقلة" تقبل ما تُؤَدِّيه إليها الحَوَاسُّ، فتجتمع فيها، ثُمَّ تُفيد كلَّ حاسَّةٍ منها فائدةَ الحاسَّةِ الأُخرى.