والسبب الظاهر -الذي لا يُخْبِر الرُّسُل بأمثاله لِرُخْصِهِ (?) عند النَّاس، ومعرفتهم له من غيرهم- هو مفارقته للمَأْلَفِ (?) والعادةِ التي كان فيها إلى أمرٍ غريبٍ، فإنَّه ينتقل من جسمٍ حارٍّ إلى هواءٍ باردٍ، ومكانٍ لم يَأْلَفْهُ، فيستوحش من مفارقته وَطَنَهُ ومَأْلَفَهُ.
وعند أرباب الإشارات أنَّ بكاءَهُ إرهاصٌ (?) بين يدي ما يلاقيه من الشدائد والآلام والمخاوف، وأنشدوا في ذلك:
ويَبْكِي بها المولودُ حتَّى كأنَّهُ ... بكُلِّ الذي يلْقَاهُ فيها يُهَدَّدُ
وإلَّا؛ فما يُبْكِيهِ فيها، وإنَّها ... لأَوْسَعُ مِمَّا كانَ فيهِ وأَرْغَدُ؟ (?)
ولهم نظير هذه الإشارة في قبض كَفِّهِ عند خروجه إلى الدنيا، وفي فتحها عند خروجه منها، وهو الإشارة إلى أنَّهُ خرج إليها مركَّبًا على الحِرْصِ والجَمْع (?)، وفَارَقَها صِفْر اليدين منها، وأنشدوا في ذلك: