سبب اختلاف الأصوات، والحكمة في ذلك

تميزَتِ الحروفُ بعضُها عن (?) بعضٍ، ثُمَّ أَلْهَمَ العبدَ تركيبَ تلك الحروف ليؤدِّي بها عن "القلب" ما يأمر به.

فتأمَّلْ هذه الحكمةَ الباهِرَةَ؛ حيث لم يُضِعْ -سبحانه- ذلك النَّفَسَ المُسْتَغْنَى عنه (?) المُحْتَاجَ إلى دَفْعه وإخراجه، بل جَعَلَ فيه -إذا استُغْنِي عنه- منفعةً ومصلحةً هي من أكمل المنافع والمصالح. فإنَّ المقصود الأصليَّ من النَّفَس هو إيصالُ (?) النَّسِيمِ البارِدِ إلى "القلب". فأمَّا إخراجُ النفَس فهو جارٍ مَجْرَى دَفْع الفَضْلَةِ الفاسدةِ، فصَرَفَ ذلك -سبحانه- إلى رعايةٍ تُصْلِحُهُ، ومنفعةٍ أخرى، فجعله سببًا للأصوات والحروف والكلام.

ثُمَّ إنَّه -سبحانه- جعل "الحَنَاجِر" مختلفة الأشكال في الضِّيقِ، والسَّعَة، والخُشُونة، والمَلاَسَة؛ لتختلف الأصواتُ باختلافها، فلا يتشابه صوتان، كما لا تتشابه صورتان.

وهذا من أظهر الأدلَّة؛ فإنَّ هذا الاختلاف -الذي بين الصُّوَر والأصوات على كثرتها [ك/89] وتعدُّدها، فَقَلَّما يشتبه صوتان أو صورتان -ليس في الطبيعة ما (?) يقتضيه، وإنَّما هو صُنْعُ الله الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ، وأحسن كلَّ شيءٍ خَلَقه، فتبارك الله ربُّ العالمين، وأحسن الخالقين. فميَّزَ -سبحانه- بين الأشخاص بما يُدْرِكُه السَّمع والبصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015