وجعل فوق ذلك كلِّه "حاجِبيَن" من الشَّعْر، يَحْجُبَان "العين" من العَرَقِ النَّازل من فَوق، ويَتَلَقَّيَانِ (?) عنها ما ينصَبُّ من هناك.
وجعل -سبحانه- لكلِّ طبقةٍ من طبقات "العين" شُغْلاً مخصوصًا، ولكلِّ واحدٍ من الرُّطُوبات مقدارًا مخصوصًا، لو زاد على ذلك أو نقص منه لاختلَّت المنافع والمصالح المطلوبة.
وجعل هذا النُّور الباصِرَ في قَدْرِ عَدَسَةٍ، ثُمَّ أظهر في تلك العَدَسَةِ صورة السماءِ، والأرض، والشمس، والقمر، والنُّجُوم، والجبال، والعالم العُلْويِّ والسُّفْليِّ، مع اتِّسَاع أطرافه، وتباعد أقطاره.
واقتضت حكمته -سبحانه- أن جعل فيها بياضًا وسوادًا، وجعل القوَّةَ الباصِرَةَ في السَّواد، وجعل البياضَ مستقرًّا لها ومسكنًا، وزيَّنَ كلًّا منهما بالآخر.
وجعل "الحَدَقَةَ" مَصُونَةً بـ"الأجفانِ" و"الحَوَاجِبِ" -كما تقدَّم-، و"الحَوَاجِبَ" بـ"الأهداب"، وجعلها سوداء؛ إذ لو كانت بيضاء (?) لتفرَّقَ النورُ الباصِرُ، فضَعُفَ الإدراك، فإنَّ السَّوادَ يجمع البصرَ، ويمنع من تفرُّقِ النُّور الباصر.
وخلق -سبحانه- لتحريك "الحَدَقَةِ" وتقليبها أربعًا وعشرين عَضَلَةً، لو نقصت عَضَلةٌ واحدةٌ لاختلَّ أمر "العين".
ولمَّا كانت "العين" كالمرآة، التي إنَّما تنطبع فيها الصُّوَر إذا كانت