بالتأثير، ولا يستغني عن صاحبه.
وفي ذلك أظهر دلالة على أنها مخلوقةٌ، مصنوعةٌ، مربُوبةٌ، مُدَبَّرَةٌ، حادِثةٌ بعد عَدَمِها، فقيرةٌ إلى مُوجِدٍ غنيٍّ عنها، مُؤَثِّرٍ غير متأثِّرٍ، قديمٍ غير حادِثٍ، تنقاد المخلوقاتُ [ح/111] كلُّها لقدرته، [ز/106] وتجيب داعي مشيئته، وتُلَبي داعي وحدانيته وربوبيته، وتشهَدُ بعلمه وحكمته، وتدعو عبادَهُ إلى ذِكْرِه، وشكره، وطاعته، وعبوديته، ومحبَّته، وتحذِّرُهم من بَأْسِهِ، ونقْمَتِه، وتحثُّهم على المبادرة إلى رضوانه وجنَّتِه.
فانظر -الآن- إلى الماء والأرض، كيف لما أراد الرَّبُّ -تبارك وتعالى- امتزاجَهُما وازدِوَاجَهُما أنشأ الرِّياح، فحرَّكَتِ الماءَ، وساقَتْهُ إلى أنْ قَذَفَتْهُ في عُمْقِ الأرض، ثُمَّ أنشأ لها حرارةً لطيفةً سماوِيَّةً حصَلَ بها الإنْبات، ثُم أنشأ لها حرارةً أخرى أقوى منها حصل بها الإنْضاج، وكانت حالته الأُولى تَضْعُفُ عن الحرارة الثانية، فادُّخِرَت إلى وقت قوَّته وصلابته. فحرارة الربيع للإخراج، وحرارة الصيف للإنْضاج.
هذا وإنَّ الأمَّ واحدةٌ، والأبَ واحدٌ، واللِّقَاحَ واحدٌ، والأولاد في غاية التباين والتنوُّع، كما قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} [الرعد: 4]؛ فهذا بعض آيات الأرض.
ومن الآيات التي فيها وَقَائعُهُ -سبحانه- التي أَوْقَعَها بالأمم المكذبين لرسله، المخالفين لأمره، وأبقى آثارهم دالَّةً عليهم كما قال تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ}