صورةً ومعنىً، وأجهلُ الخَلْق وأضعفُهم هِمَمًا ونفوسًا.
ثُمَّ ذكر استواءَ هذا المعلِّم بالأنفُق الأعْلَى، ودُنُوَّهُ، وتَدَلِّيَهُ، وقُرْبَهُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإيحاءَهُ إليه ما أَوْحَى.
فصوَّرَ -سبحانه- لأهل الإيمان صورة الحال من نزول جبريل من عنده إلى أن استوى بالأفُق، ثُمَّ دَنَى فَتَدلَّى، وقَرُبَ من رسوله، فأوحى إليه ما أمره الله بإيحائه، حتَّى كأنَّهم يشاهدون صورة الحال ويُعَاينُونَهُ هابطًا من السماء إلى أن صار بالأفُق الأعْلَى مستويًا عليه، ثُمَّ نَزَلَ وقَرُبَ من محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وخاطبه بما أمره الله به، قائلاً: ربُّكَ يقول لك كذا وكذا.
وأخبر -سبحانه-[ك/ 70] عن مسافة هذا القُرْب، بأئَه قَدْرُ قوسين أو أدنى من ذلك، وليس هذا على وجه الشَّكِّ، بل تحقيقٌ لِقَدْرِ المسافة، وأنَّها لا تزيد على قوسين أَلْبَتَّةَ؛ كما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} [الصافات: 147] تحقيقًا لهذا العدد، وأنَّهم لا ينقصون عن مائةِ ألفٍ رَجُلاً واحدًا. ونظيره قوله تعالى: {ثُمَّ [ح/93] قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]؛ أي: لا تنقُصُ قَسْوتها عن قسوة الحجارة، بل إنْ لم تَزِدْ على قسوة الحجارة لم تكن دونها.
وهذا المعنى أحسنُ وألطفُ وأدق مِنْ قول من جعل "أو" في هذه المواضع بمعنى (?) "بل"، ومِنْ قول من جعلها للشكِّ بالنسبة إلى الرائي (?)، وقول من جعلها بمعنى "الواو"، فتأمَّلْهُ.