بِمَجْنُونٍ (22)} [التكوير: 22].
فصل
ثُمَّ قال سبحانه [ك/69]: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4]، يُنَزِّهُ -تعالى- نُطْقَ رسولهِ أن يَصْدُرَ عن هَوَىً، وبهذا الكمال هُدَاهُ ورُشْدُهُ.
وقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)}، ولم يقل: وما ينطق بالهَوَى؛ لأنَّ نَفْيَ نُطْقِهِ عن الهَوَى أبلغ، فإنَّهُ يتضمَّنُ أنَّ نُطْقَهُ لا يصدر عن هَوَىً، وإذا لم يَصْدُر عن هَوَى فكيف ينطق به؟ فتضمَّنَ نَفْيَ الأمرين: نَفْيَ الهَوَى عن مصدر النُّطْق، ونَفْيَهُ عن النُّطْقِ نَفْسِهِ. فَنُطْقُه بالحقِّ، ومصدَرُهُ الهُدَى والرَّشَاد، لا الغَيُّ والضلالُ.
ثُمَّ قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}؛ فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أي: ما نُطْقُهُ إلا وَحْيٌ يُوحَى.
وهذا أحسنُ من قول من جعل [ن/72] [ح/92] الضمير عائدًا إلى القرآن، فإنَّهُ يَعُمُّ نُطْقَهُ بالقرآن والسُّنَّةِ، وإنَّ كليهما وحيٌ يُوحَى.
وقد احتجَّ الشافعيُّ لذلك فقال (?): "لعلَّ من حُجَّةِ من قال بهذا قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113] ". قال: "ولعلَّ من حُجَّته أن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي الزَّاني بامرأةِ الرجلِ الذي صالَحَهُ على الغنم والخادم: "والذي نفسي بيده لأقْضِيَنَّ بينكما بكتاب الله: الغنمُ والخَادِمُ رَدٌّ عليك ... " (?) الحديث.