الآخر.
وذلك ممَّا يدلُّ مَنْ له أدنى عقلٍ على أنَّه بتسخير مسخِّرٍ، وأَمْرِ آمِرٍ، وتدبير مدبِّرٍ، بَهَرَتْ حكمتُه العقولَ، وأحاطَ علمُه بكلِّ دقيقٍ وجليلٍ، وفوق ما علمه النَّاس من الحِكَمِ التي (?) في خَلْقِهما ما لا تصل إليه عقولهم، ولا تنتهي إلى مبادئها أوهامهم، فغايتنا الاعتراف بجلال خالقِهما، وكمال حكمته، ولطف تدبيره، وأن نقول ما قاله أولو الألباب قبلنا: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 191].
ولو أنَّ العبدَ وُصِفَ له جرْمٌ أسودُ مستديرٌ، عظيمُ الخَلْقِ، يبدو فيه النُّور كخيطٍ مُتَسَخِّنٍ، ثُمَّ يتزايد كلَّ ليلةٍ حتَّى يتكَامَلَ نورُه، فيصير أضوأَ شيءٍ (?)، وأحسنَه، وأجملَه، ثُمَّ يأخذ في النقصان حتَّى يعود إلى حاله الأوَّل، فيحصل بسبب ذلك معرفةُ الأشهر والسنين، وحسابُ آجال العالم من مواقيت حَجِّهم، وصلاتهم، ومواقيت إجَاراتهم، ومُدَايَنَاتهم، ومُعَامَلاتهم التي لا تقوم مصالحهم إلا بها، فمصالح الدنيا والدّين متعلِّقةٌ بالأهِلَّة.
وقد ذكر -سبحانه- ذلك في ثلاث آياتٍ من كتابه:
أحدها (?): قوله -عزَّ وجلَّ-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].