تفسير قوله تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم}

ويذكِّرُهُم بأسَهُ، وشدَّةَ بَطْشِه، وانتقامَهُ ممَّن عصَى أمرَهُ، وكذَّبَ رُسُلَهُ.

ويذكِّرُهُم بثوابه وعقابه.

ولهذا يأمر -سبحانه- عبادَهُ أن يذكروا ما في كتابه، كما قال تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)} [البقرة: 63]، وإذا كان كذلك فأحَقُّ وأَوْلَى وأوَّلُ من كان ذكرًا له من أُنْزِلَ عليه، ثُمَّ لقومه، ثُمَّ لجميع العالمين، وحيث خصَّ به المتقين فلأنهم الذين انتفعوا بذكره.

وأمَّا وَصْفُه بأنَّه "ذو الذِّكْر"؛ فلأنَّه مشتمِلٌ على الذِّكْر، فهو صاحب الذِّكْرِ، وفيه الذِّكْرُ، فهو ذِكْرٌ وفيه الذِّكْرُ، كما أنَّه هُدَىً وفيه الهُدَى، وشفاءٌ وفيه الشفاء، ورحمةٌ وفيه الرحمة.

وقوله سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)} [التكوير: 28] بَدَلٌ من "العالَمين"، وهو بَدَلُ بعضٍ من كُلٍّ. وهذا من أحسن ما يُستدلُّ به على أنَّ البَدَلَ في قوَّة ذكر عاملين مقصودين، فإنَّ جهةَ كونه ذِكْرًا للعالمين كلِّهم غيرُ جهة كونه ذِكْرًا لأهل الاستقامة، فإنَّه ذِكْرٌ للعموم بالصَّلاَحية والقوَّة، وذِكْرٌ لأهل الاستقامة بالحصول والنفع، فكما أنَّ البَدَلَ أخَصُّ من المُبْدَلِ منه فالعامِلُ المقدَّرُ فيه أخَصُّ من العامل الملفوظ في المُبْدَلِ منه، ولابدَّ من هذا؛ فتأمَّلْهُ.

وقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)} رَدٌّ على "الجَبْرِيَّة" القائلين بأنَّ العبدَ لا مشيئة له، و (?) أنَّ مشيئته مجرَّد علامةٍ على حصول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015