ثُمَّ نزَّه رسولَهُ البَشَريَّ وزكَّاه عمَّا يقول فيه أعداؤه، فقال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)} [التكوير: 22]، وهذا أمرٌ يعلمونه ولا يشكُّون فيه، وإن قالوا بألسنتهم خلافه، فهم يعلمون أنَّهم كاذبون.
ثُمَّ أخبر عن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - لجبريل، وهذا يتضمَّنُ أنَّه مَلَكٌ موجودٌ في الخارج، يُرَى بالعِيَان، ويُدْرِكُهُ البَصَرُ، لا كما يقول المتفلسفة ومن قلَّدهم: إنَّه العقل الفعَّال، وإنَّه ليس ممَّا يُدْرَك بالبَصَر، وحقيقته عندهم أنَّه خَيَالٌ موجودٌ في الأذهان لا في الأعيان! (?) وهذا ممَّا خالفوا به جميع الرُّسُل وأتباعِهم، وخرجوا به عن جميع المِلَل.
ولهذا كان تقريرُ رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل أهمَّ من تقرير رؤيته لربِّه تعالى، فإنَّ رؤيته لجبريل هي أصلُ الإيمان الذي لا يتمُّ إلا باعتقادها، ومن أنكرها كَفَر قطعًا.
وأمَّا رؤيته لربِّه -تعالى- فغايتُها أن تكون مسألةَ نزاعٍ لا يكفر جاحدُها بالاتفاق، وقد صرَّحَ جماعةٌ من الصحابة بأنَّه لم يَرَهُ، وحكى عثمان بن سعيد الدارمي (?) اتفاقَ الصحابة على ذلك (?).
فنحن إلى تقرير رؤيته لجبريل أحوجُ مِنَّا إلى تقرير رؤيته لربِّه