تناقضت النِّسْبَتَان. ولفظ "الرسول" يدلُّ على ذلك، فإنَّ "الرسولَ" هو الذي يبلِّغ كلامَ من أرسله، وهذا صريحٌ في أنَّه كلام من أرسل جبريلَ ومحمدًا- صلى الله عليهما وسلم-، وأنَّ كلاًّ منهما بلَّغه عن الله، فهو قولُه مبلِّغًا، وقولُ الله الذي تكلَّم به حقًّا. فلا راحة لمن أنكر أن يكون الله -تعالى- متكلِّمًا بالقرآن -وهو كلامه حقًّا- في هاتين الآيتين، بل هما من أظهر الأدلَّة على كونه كلام الرَّبِّ تعالى، وأنَّه ليس للرسولَين الكريمَين منه إلا التبليغ، فجبريلُ سمعه من الله، ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - سمعه من جبريل.
وَوَصَفَ رسولَهُ المَلَكيَّ في هذه السورة بأنَّه: كريمٌ، قويٌّ، مكينٌ عند الرَّبِّ تعالى، مطاعٌ في السماوات، أمينٌ.
فهذه خمسُ صفاتٍ تتضمَّن تزكية سَنَدِ القرآن، وأنَّه سماعُ محمدٍ من جبريلَ، وسماعُ جبريلَ من ربِّ العالمين. فَنَاهِيك بهذا السَّنَدِ عُلُوًّا وجلالةً؛ تولَّى (?) اللهُ -سبحانه- بنفسه تزكيتَهُ:
الصفة الأُولَى: كَوْنُ الرسولِ الذي جاء به إلى محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: كريمًا، ليس كما يقول أعداؤه: إنَّ الذي جاء به شيطان، فإنَّ الشيطانَ خبيثٌ مخبِثٌ، لئيمٌ، قبيحُ المنظر، عديمُ الخير، باطِنُهُ أقبحُ من ظاهره، وظاَهرُهُ أشْنَعُ من باطنه، وليس فيه ولا عنده خيرٌ، فهو أبعد شيءٍ عن الكرم. والرسولُ الذي ألقَى القرآنَ إلى محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: كريمٌ، جميلُ المنظر، بَهِيُّ الصورة، كثيرُ الخير، طَيِّبٌ مُطَيَّبٌ، معلِّمُ الطَّيِّبِين. وكلُّ خيرٍ في الأرض من هُدَىً، وعلمٍ، ومعرفةٍ، وإيمانٍ، وبِرٍّ، فهو ممَّا