فقابَلَ التقوى بالاستغناء تشنيعًا لحال تارك التقوى، ومبالغةً في ذمِّه؛ بأن فَعَلَ فِعْلَ المستغني عن ربِّه، لا فِعْلَ الفقيرِ المضطرِّ إليه الذي (?) لا ملجأ له منه إلا إليه، ولا غنى له عن فضله وجُودِهِ وبِرِّهِ طَرْفَةَ عينٍ.
فَلِلَّهِ (?) ما أَحْلَى هذه المقابلة، وما أجمع هاتين الآيتين للخيرات كلِّها وأسبابِها، وللشرورِ كلِّها وأسبابِها.
فَسُبْحَانَ من تعرَّفَ إلى خواصِّ عباده بكلامه، وتجلَّى لهم فيه، فهم لا يطلبون أثرًا بعد عَينٍ، ولا يستبدلون الحقَّ بالباطل، والصدق بالمَيْنِ.
وقد تضمَّنت هاتان الآيتان فَصْلَ الخطاب في مسألة القَدَر، وإزالة كلِّ لَبْسٍ وإشكالٍ فيها، وذلك بَيِّنٌ -بحمد الله- لمن وُفِّقَ لفهمه.
ولهذا أجاب بهما (?) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمن أورد عليه السؤالَ الذي لا يزال النَّاس يَلْهَجُون به في القَدَر، فأجاب بِفَصْل الخطاب، وأزال الإشكال.
ففي "الصحيحين" من حديث علي بن أبي طالب [ن/ 18]-رضي الله عنه- عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "ما منكم من أحدٍ إلَّا وقد عُلِمَ مَقْعَدُهُ من الجنَّةِ والنَّارِ" قيل: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العَمَلَ، ونتَّكِلُ على كتابنا (?)؟ قال: "اعمَلُوا، فكُلٌّ ميسَّر لمَا خُلِقَ له" ثُمَّ قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)