الصبح ونبوة المسيح بعده بمنزلة طلوع الشمس وإشراقها ونبوة محمد وعليهما بعدهما بمنزلة استعلائها وظهورها للعالم ولما كان الغالب على بني إسرائيل حكم الحس ذكر ذلك مطابقاً للواقع ولما كان الغالب على الأمة الكاملة حكم العقل ذكرها على الترتيب العقلي وأقسم بها على بداية الإنسان ونهايته فقال {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أي في أحسن صورة وشكل واعتدال معتدل القامة مستوى الخلقة كامل الصورة أحسن من كل حيوان سواه والتقويم تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون في التأليف والتعديل وذلك صنعته تبارك وتعالى في قبضة من تراب وخلقه بالمشاهدة من نطفة من ماء وذلك من أعظم الآيات الدالة على وجوده وقدرته وحكمته وعلمه وصفات كماله ولهذا يكررها كثيراً في القرآن لمكان العبرة بها والاستدلال بأقرب الطرق على وحدانيته وعلى المبدأ والمعاد
وتضمن إقسامه بتلك الأمكنة الثلاثة الدالة عليه وعلى علمه وحكمته عنايته بخلقه بأن أرسل منها رسلاً أنزل عليهم كتبه يعرفون العباد بربهم وحقوقه عليهم وينذرونهم بالله ونقمته ويدعونهم إلى كرامته وثوابه
ثم لما كان الناس في إجابة هذه الدعوة فريقين منهم من أجاب ومنهم من أبى ذكر حال الفريقين فذكر حال الأكثرين وهم