الآدمي ناطق وقال الزجاج هذا كما تقول في الكلام إن هذا لحق كما انك ههنا
قلت وفي الحديث إنه لحق كما أنك ههنا فشبه سبحانه تحقيق ما أخبر به بتحقيق نطق الآدمي ووجوده والواحد منا يعرف أنه ناطق ضرورة ولا يحتاج نطقه إلى الاستدلال على وجوده ولا يخالجه شك في أنه ناطق فكذلك ما أخبر الله عنه من أمر التوحيد والنبوة والمعاد وأسمائه وصفاته حق ثابت في نفس الأمر يشبه بثبوت نطقكم ووجوده وهذا باب يعرفه الناس في كلامهم يقول أحدهم هذا حق مثل الشمس وأفصح الشاعر عن هذا بقوله:
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
وههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الرب تعالى شهد بصحة ما أخبر به وهو أصدق الصادقين وأقسم عليه وهو أبر المقسمين وأكده بتشبيهه بالواقع الذي لا يقبل الشك بوجه وأقام عليه من الأدلة العيانية والبرهانية ما جعله معايناً مشاهداً بالبصائر وإن لم يعاين بالأبصار ومع ذلك فأكثر النفوس في غفلة عنه لا تستعد له ولا تأخذ له أهبة والمستعد له الآخذ له أهبة لا يعطيه حقه منهم إلا الفرد بعد الفرد فأكثر الخلق لا ينظرون في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار ولا يتفكرون في قلة مقامهم