فإن قيل قد ثبت أن الولد يتخلق من ماء الأبوين فهل يتمازجان ويختلطان حتى يصيرا ماء واحداً أو يكون أحدهما هو المادة والآخر بمنزلة الانفحة التي تعقده قيل هو موضع اختلف فيه أرباب الطبيعة فقالت طائفة منهم منى الأب لا يكون جزءاً من الجنين وإنما هو مادة الروح الساري في الأعضاء وأجزاء البدن كلها من منى الأم ومنهم من قال بل هو ينعقد من منى الأنثى ثم يتحلل ويفسد

قالوا ولهذا كان الولد جزءاً من أمه ولهذا جاءت الشريعة بتبعيته لها في الحرية والرق

قالوا ولهذا لو نرى فحل رجل على جارية آخر فأولدها فالولد لمالك الأم دون مالك الفحل لأنه تكون من أجزائها وأحشائها ولحمها ودمها وماء الأب بمنزلة الماء الذي يسقي الأرض

قالوا والحس يشهد أن الأجزاء التي في المولود من أمه أضعاف أضعاف الأجزاء التي فيه من أبيه فثبت أن تكوينه من منى الأم ودم الطمث ومنى الأب عاقد له كالأنفحة

ونازعهم الجمهور وقالوا إنه يتكون من مني الرجل والأنثى ثم لهم قولان أحدهما أن يكون من منى الذكر أعضاؤه وأجزاؤه ومن منى الأنثى صورته والثاني أن الأعضاء والأجزاء والصورة تكونت من مجموع الماءين وأنهما امتزجا واختلطا وصارا ماء واحداً وهذا هو الصواب لأننا نجد الصورة والتشكيل تارة إلى الأب وتارة إلى الأم والله أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015