المادة لحصلت قبل الإندفاق قالوا وأما احتجاجكم بالتشابه المذكور بين الوالد والمولود فالمشابهة قد تقع في الظفر والشعر وليس يخرج منهما شيء وأيضاً فالمولود قد يشبه جداً بعيداً من أجداده كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله فقال إن امرأتي ولدت غلاماً أسود قال "هل لك من إبل" قال نعم قال "فما ألوانها؟ " قال سود قال "هل فيها من أورق" قال نعم قال "فأنى له ذلك" قال عسى أن يكون نزعه عرق قال "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق"
قالوا ولو كان في المنى من كل عضو أجزاء فلا تخلو تلك الأجزاء إما أن تكون موضوعة في المنى وضعها الواجب أو لا تكون كذلك فإن كانت موضوعة وضعها الواجب كان المنى حيواناً صغيراً وإن لم تكن كذلك استحالت المشابهة
قالوا وأيضاً فإن المنى إما أن يكون مركباً على تركيب هذه الأعضاء وترتيبها أو لا يكون كذلك فالأول باطل قطعاً لأن المني رطوبة سيالة فلا تحفظ الوضع والترتيب وإن كانت ثقيلة فتعين الثاني ولا بد قطعاً أن يحال ذلك الترتيب والتصوير والتشكيل على سبب آخر سوى القوة التي في المادة فإنها قوة لا شعور لها ولا إدراك ولا تهتدي لهذه التفاصيل التي في الصورة الإنسانية بل هذا التصوير والتشكيل مستند إلى خالق عليم حكيم قد بهرت حكمته العقول ودلت آثار صنعته على كمال أسمائه وصفاته