كان الشيء في القلب معلوماً فكيف يكون معه تكذيب
قلت وجواب هذا من وجهين أحدهما أن الرجل قد يتخيل الشيء على خلاف ما هو فيكذبه قلبه إذ يريه صورة المعلوم على خلاف ما هي عليه كما تكذبه عينه فيقال كذبه قلبه وكذبه ظنه وكذبته عينه فنفى سبحانه ذلك عن رسوله وأخبر أن ما رآه الفؤاد فهو كما رآه كمن رأى الشيء على حقيقة ما هو به فإنه يصح أن يقال لم تكذبه عينه
الثاني أن يكون الضمير في رأى عائدة إلى الرأي لا إلى الفؤاد ويكون المعنى ما كذب الفؤاد ما رآه البصر وهذا بحمد الله لا إشكال فيه والمعنى ما كذب الفؤاد ما رآه البصر بل صدقه وعلى القراءتين فالمعنى ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير ولا اتهم بصره
ثم أنكر سبحانه عليه مكابرتهم وجحدهم له على ما رآه كما ينكر على الجاهل مكابرته للعالم ومماراته له على ما عمله وفيها قراءتان أفتمارونه وأفتمرونه وهذه المماراة أصلها من الجحد والدفع يقول مريت الرجل حقه إذا جحدته كما قال الشاعر:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
ومنه المماراة وهي المجادلة والمكابرة ولهذا عدى هذا الفعل بعلى وهي على بابها وليست بمعنى عن كما قاله المبرد بل الفعل متضمن معنى المكابرة وهذا في قراءة الألف أظهر ورجح أبو عبيدة قراءة من قرأ {أفتمرونه} قال وذلك أن المشركين إنما شأنهم