كان لفظ من مفرداً حملا على نظمها فهذا إنما يحسن حيث لا يقع لبس في مفسر الضمائر وههنا قد تقدم لفظ من والضمير المرفوع في زكاها يستحقه لفظاً ومعنى فهو أولى به ثم يعود الضمير المنصوب على النفس التي هي أولى به لفظاً ومعنى فهذا هو النظم الطبيعي الذي يقتضيه سياق الكلام ووضعه وأما عود الضمير الذي يلي من على الموصول السابق وهو قوله {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} وإخلاء جاره الملاصق له وهو من ثم عود الضمير المنصوب وهو مؤنث على من ولفظه مذكر دون النفس المؤنثة فهذا يجوز لو لم يكن للكلام محمل غيره أحسن منه فأما إذا كان سياق الكلام ونظمه يقتضي خلافه ولم تدع الضرورة إليه فالحمل عليه ممتنع
قالوا والقول الذي ذكرناه أرجح من جهة المعنى لوجوه
أحدها أن فيه إشارة إلى ما تقدم من تعليق الفلاح على فعل العبد واختياره كما هي طريقة القرآن الثاني أن فيه زيادة فائدة وهي إثبات فعل العبد وكسبه وما يثاب وما يعاقب عليه وفي قوله {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} إثبات القضاء والقدر السابق فتضمنت الآيتان هذين الأصلين العظيمين وهما كثيراً ما يقترنان في القرآن كقوله {إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقوله {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فتضمنت الآيتان الرد على القدرية والجبرية