وصلت الروح إلى هذا الموضع بحيث فارقت ولم تفارق فهي برزخ بين الموت والحياة كما أنها إذا فارقت صارت في برزخ بين الدنيا والآخرة ملائكة الرب تعالى أقرب إلى المحتضر من حاضريه من الأنس ولكنهم لا يبصرون بهم فلولا تردونها إلى مكانها من البدن أيها الحاضرون إن كان الأمر كما تزعمون أنكم غير مجزيين ولا مدينين ولا مستوعبين ليوم الحساب

فإن قيل أي ارتباط بين هذين الأمرين حتى يلازم بينهما

قيل هذا من أحسن الاستدلال وأبلغه فإنهم إما أن يقروا بأنهم مربوبون مملوكون عبيد لمالك قادر متصرف فيهم قاهر آمر ناه أو لا يقرون بذلك فإن أقروا به لزمهم القيام بحقه عليهم وشكره وتعظيمه وإجلاله وأن لا يجعلوا له نداً ولا شريكاً وهذا هو الذي جاءهم به رسوله ونزل عليه به كتابه وإن أنكروا ذلك وقالوا إنهم ليسوا بعبيد ولا مملوكين ولا مربوبين وإن الأمر إليهم يردون الأرواح إلى مقارها إذا بلغت الحلقوم فإن المتصرف في نفسه الحاكم على روحه لا يمتنع منه ذلك بخلاف المحكوم عليه المتصرف فيه غير المدبر له سواء الذي هو عبد مملوك من جميع الجهات وهذا الاستدلال لا محيد عنه ولا مدفع له ومن أعطاه حقه من التقرير والبيان إنتفع به غاية النفع وانقاد لأجله للعبودية وأذعن ولم يسعه غير التسليم للربوبية والإلهية والإقرار بالعبودية ولله ما احسن جزالة هذه الألفاظ وفصاحتها وبلوغها أقصى مراتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015