يبلغون بها أقصى ما في أنفسهم بأسهل طريق وقلة كلفة ومشقة وأوصله إلى المقصود وأدله عليه وهذا من أعظم نعمه عليهم كما هو من أعظم آياته ولهذا عاب سبحانه على من عبد إلهاً لا يتكلم وامتن على عباده بأن أقدرهم على البيان بها بالتكلم فكان في ذكر هذه الحروف التنبيه على كمال ربوبيته وكمال إحسانه وإنعامه فهي أولى أن يقسم بها من الليل والنهار والشمس والقمر والسماء والنجوم وغيرها من المخلوقات فهي دالة أظهر دلالة على وحدانيته وقدرته وحكمته وكماله وكلامه وصدق رسله
وقد جمع سبحانه بين الأمرين أعني القرآن ونطق اللسان وجعل تعليمها من تمام نعمته وامتنانه كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} فبهذه الحروف علم القرآن وبها علم البيان وبها فضل الإنسان على سائر أنواع الحيوان وبها أنزل كتبه وبها أرسل رسله وبها جمعت العلوم وحفظت وبها انتظمت مصالح العباد في المعاش والمعاد وبها يتميز الحق من الباطل والصحيح من الفاسد وبها جمعت أشتات العلوم وبها أمكن تنقلها في الأذهان وكم جلب بها من نعمة ودفع بها من نقمة وأقيلت بها من عثرة وأقيمت بها من حرمة وهدى بها من ضلالة وأقيم بها من حق وهدم بها من باطل فآياته سبحانه في تعليم البيان كآياته في خلق الإنسان ولولا عجائب صنع الله ما ثبتت تلك الفضائل في لحم ولا عصب فسبحان من هذا صنعه في هواء يخرج