أحدها أنه تعالى فوق خلقه كلهم وأن القرآن نزل من عنده والثاني أنه تكلم به حقيقة لقوله {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولو كان غيره هو المتكلم به لكان من ذلك الغير ونظير هذا قوله {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} ونظيره قوله {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} وقوله {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وقوله {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وما كان من الله فليس بمخلوق ولا ينتقض هذا بأن الرزق والمطر وما في السماوات والأرض جميعاً منه وهو مخلوق لأن ذلك كله أعيان قائمة بنفسها وصفات وأفعال لتلك الأعيان فإضافتها إلى الله سبحانه وانها منه إضافة خلق كإضافة بيته وعبده وناقته وروحه وبابه إليه بخلاف كلامه فإنه لا بد أن يقوم بمتكلمه إذ كلام من غير متكلم كسمع من غير سامع وبصره من غير مبصر وذلك عين المحال فإذا أضيف إلى الرب كان بمنزلة إضافة سمعه وبصر وحياته وقدرته وعلمه ومشيئته إليه ومن زعم أن هذه إضافة مخلوق إلى خالق فقد زعم أن الله لا سمع له ولا بصر ولا حياة ولا قدرة ولا مشيئة تقوم به وهذا هو التعطيل الذي هو شر من الاشراك وإن زعم أن إضافة السمع والبصر والعلم والحياة والقدرة إضافة صفة إلى موصوف فإضافة الكلام إليه إضافة مخلوق إلى خالق فقد تناقض وخرج عن موجب العقل والفطرة