وهو أسهل من معرفة ذلك بحساب الشمس وأقل اضطراباً واختلافاً ولا يحتاج إلى تكلف حساب وتقليد من لا يعرفه من الناس لمن يعرفه فالحكمة البالغة التي في تقدير السنين والشهور بسير القمر أظهر وأنفع وأصلح واقل اختلافاً من تقديرها بسير الشمس فالرب جل جلاله دبر الأهلة بهذا التدبير العجيب لمنافع خلقه في مصالح دينهم ودنياهم مع ما يتصل به من الاستدلال به على وحدانية الرب وكمال حكمته وعلمه وتدبيره فشهادة الحق بتغير الأجرام الفلكية وقيام أدلة الحدوث والخلق عليها فهي آيات ناطقة بلسان الحال على تكذيب الدهرية وزنادقة الفلاسفة والملاحدة القائلين بأنها أزلية أبدية لا يتطرق إليها التغيير ولا يمكن عدمها

فإذا تأمل البصير القمر مثلاً وافتقاره إلى محل يقوم به وسيره دائباً لا يفتر مسير مسخر مدبر وهبوطه تارة وارتفاعه تارة وأفوله تارة وظهوره تارة وذهاب نوره شيئاً فشيئاً ثم عوده إليه كذلك وسبب ضوئه جملة واحدة حتى يعود قطعة مظلمة بالكسوف علم قطعاً أنه مخلوق مربوب مسخر تحت أمر خالق قاهر مسخر له كما يشاء وعلم أن الرب سبحانه لم يخلق هذا باطلاً وأن هذه الحركة فيه لا بد أن تنتهي إلى الانقطاع والسكون وأن هذا الضوء والنور لا بد أن ينتهي إلى ضده وأن هذا السلطان لا بد أن ينتهي إلى العزل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015