الفراء يقول تعالى يأتيه غيب السماء وهو منفوس فيه فلا يضن به عليكم وهذا معنى حسن جداً فإن عادة النفوس الشح بالشيء النفيس ولا سيما عمن لا يعرف قدره ويذمه ويذم من هو عنده ومع هذا فهذا الرسول لا يبخل عليكم بالوحي الذي هو أنفس شيء وأجله وقال أبو علي الفارسي المعنى يأتيه الغيب فيبينه ويخبر به ويظهره ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده ويخفيه حتى يأخذ عليه حلوانا وفيه معنى آخر وهو أنه على ثقة من الغيب الذي يخبر به فلا يخاف أن ينتقض ويظهر الأمر بخلاف ما أخبر به كما يقع الكهان وغيرهم ممن يخبر بالغيب فإن كذبهم أضعاف صدقهم وإذا أخبر أحدهم بخبر لم يكن على ثقة منه بل هو خائف من ظهور كذبه فإقدام هذا الرسول على الأخبار بهذا الغيب العظيم الذي هو أعظم الغيب واثقاً به مقيماً عليه مبدياً له في كل مجمع ومعيداً منادياً به على صدقه مجلباً به على أعدائه من أعظم الأدلة على صدقه

وأما قراءة من قرأ بظنين بالظاء فمعناه المتهم يقال ظننت زيداً بمعنى اتهمته وليس من الظن الذي هو الشعور والإدراك فإن ذاك يتعدى إلى مفعولين ومنه ما أنشده أبو عبيدة:

أما وكتاب الله لا عن شناءة ... هجرت ولكن المحب ظنين

والمعنى وما هذا الرسول على القرآن بمتهم بل هو أمين لا يزيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015