(كُلُّ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «أُولَئِكَ» : إِشَارَةٌ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ، وَأُشِيرَ إِلَيْهَا بِأُولَئِكَ وَهِيَ فِي الْأَكْثَرِ لِمَنْ يَعْقِلُ ; لِأَنَّهُ جَمَعَ ذَا، وَذَا لِمَنْ يَعْقِلُ وَلِمَا لَا يَعْقِلُ ; وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ:
بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ وَ (كَانَ) وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ: الْخَبَرُ، وَاسْمُ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى كُلٍّ، وَالْهَاءُ فِي «عَنْهُ» تَرْجِعُ إِلَى كُلٍّ أَيْضًا، وَ «عَنْ» يَتَعَلَّقُ بِمَسْئُولٍ. وَالضَّمِيرُ فِي مَسْئُولٍ لِكُلٍّ أَيْضًا ; وَالْمَعْنَى: إِنَّ السَّمْعَ يُسْأَلُ عَنْ نَفْسِهِ ; عَلَى الْمَجَازِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي كَانَ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْجَوَارِحِ ; لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَكُونُ «عَنْهُ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَسْئُولٍ ; كَقَوْلِهِ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ) [الْفَاتِحَةِ: 7] وَهَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يُقَامُ مَقَامَ الْفَاعِلِ إِذَا تَقَدَّمَ الْفِعْلُ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَمَّا إِذَا تَأَخَّرَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْفِعْلِ صَارَ مُبْتَدَأً، وَحَرْفُ الْجَرِّ إِذَا كَانَ لَازِمًا لَا يَكُونُ مُبْتَدَأً. وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ: بِزَيْدٍ انْطَلَقَ. وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ ثَنَّيْتَ لَمْ تَقُلْ: بِالزَّيْدَيْنِ انْطَلَقَا، وَلَكِنْ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَجْعَلَ الضَّمِيرَ فِي «مَسْئُولًا» لِلْمَصْدَرِ ; فَيَكُونُ «عَنْهُ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، كَمَا تُقَدَّرُ فِي قَوْلِكَ: بِزَيْدٍ انْطَلَقَ.