وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ تُنْذِرَ، وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى الْهَاءِ فِي «بِهِ» ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ الْجَارُّ لَمْ يُعَدْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ رَبِّكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأُنْزِلَ، وَيَكُونَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ، وَيَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ كَائِنًا مِنْ رَبِّكُمْ. وَ (مِنْ دُونِهِ) : حَالٌ مِنْ أَوْلِيَاءَ، وَ (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) : مِثْلُ: (فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ) [الْبَقَرَةِ: 88] . وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ.
وَ «تَذَكَّرُونَ» بِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَبِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْإِدْغَامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ) : فِي «كَمْ» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ مُبْتَدَأٌ، وَ «مِنْ قَرْيَةٍ» تَبْيِينٌ، وَمِنْ زَائِدَةٌ، وَالْخَبَرُ «أَهْلَكْنَاهَا» ، وَجَازَ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى «كَمْ» ؛ لِأَنَّ كَمْ فِي الْمَعْنَى «قُرًى» . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَهْلَكْنَاهَا صِفَةٌ لِقَرْيَةٍ، وَالْخَبَرُ «فَجَاءَهَا بَأْسُنَا» وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ تَمْنَعُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ «كَمْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، دَلَّ عَلَيْهِ أَهْلَكْنَاهَا، وَالتَّقْدِيرُ: كَثِيرًا مِنَ الْقُرَى أَهْلَكْنَا، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفِعْلِ عَلَى «كَمْ» وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا؛ لِأَنَّ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ إِذْ أَشْبَهَتْ رُبَّ، وَالْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا كَقَوْلِهِ: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) [النَّحْلِ: 98] : أَيْ: أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ.